قال الله:{مَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً حَسَنَةً يَكُنْ لَهُ نَصِيبٌ مِنْهَا وَمَنْ يَشْفَعْ شَفَاعَةً سَيِّئَةً يَكُنْ لَهُ كِفْلٌ مِنْهَا وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقِيتًا}[النساء:٨٥] بعض أهل العلم يقولون: إن الكفل يكون مخصوصاً بالشر، والنصيب يكون مخصوصاً بالخير، وهذا الاطراد ليس بلازم، وقال الله تبارك وتعالى:{يُؤْتِكُمْ كِفْلَيْنِ مِنْ رَحْمَتِهِ}[الحديد:٢٨] فهنا الكفل أطلق على كفل الرحمة.
فأحياناً يكون الاصطلاح موضوع لمعنى معين، قد ينتقل إلى معنى غيره، وهذا على النادر.
فمثلاً: في تفسير قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا بَرْدًا وَلا شَرَابًا * إِلَّا حَمِيمًا وَغَسَّاقًا}[النبأ:٢٤-٢٥] ما معنى البرد؟ من العلماء من قال: البرد هو برد الريح الذي تتنفس فتسبب برداً في الأجواف، ومنهم من قال: البرد الراحة.
إلى غير ذلك، فجاء من العلماء من قال: إن البرد المراد به النوم، واستدل ببيت شعر: بردت مراشفها عليّ فصدني عنها وعن قبلاتها البرد أي: أنها نامت برأسها على صدره ونحو ذلك، وأراد أن يقبلها لكن النوم غلبها فتركها على حالها، والشاهد أنه قصد بالبرد النوم.
فـ ابن جرير الطبري رحمه الله تعالى يقول ما حاصله: وهذا وإن استجيز أحياناً أن يطلق على النوم البرد، لكنه ليس هو الأغلب المعروف من كلام العرب، وتفسير كتاب الله على الأغلب المعروف من كلام العرب دون غيره، إلا إذا أتت قرينة تحملنا على أن نختار القول الذي ليس بغالب وليس بمشهور، كما في قوله تعالى:{أَفَلَمْ يَيْئَسِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنْ لَوْ يَشَاءُ اللَّهُ لَهَدَى النَّاسَ جَمِيعًا}[الرعد:٣١] فسياق الآية رجح وجهة من قال: إن المراد باليأس هنا: العلم، أي: أفلم يعلم الذين آمنوا أن لو أشاء الله لهدى الناس جميعاً.
فالكفل أحياناً يطلق على نصيب الخير، وأحياناً يطلق على نصيب الشر.