{ارْجِعُوا إِلَى أَبِيكُمْ}[يوسف:٨١] ، أما أنا فلن أرجع، {فَقُولُوا يَا أَبَانَا إِنَّ ابْنَكَ سَرَقَ}[يوسف:٨١] ، قال: قولوا: يا أبانا، ولم يقل: قولوا: يا (بابا) إن ابنك سرق، {وَمَا شَهِدْنَا إِلَّا بِمَا عَلِمْنَا}[يوسف:٨١] ، أي: نحن ما رأيناه يسرق لكن رأينا صواع الملك في رحله، وهكذا ينبغي أن يكون الشهداء، فإذا شهدت على شيء فاشهد بالذي رأيته فقط، فليس لك أن تقول: إنه سرق قاطعاً بذلك، لكن تقول: إني وجدت الصواع استخرج من رحله، هذا هو الصحيح، فلا تبن على ذلك أنت ودع البناء للقاضي، فلا تقل: بما أني وجدت الصواع في رحله إذاً هو الذي سرق لا؛ بل قد يكون الصواع دس له في رحله، فالذي تشهد به هو الذي تراه بعينك أو تسمعه بإذنك، كما أنك ترى الشمس ساطعة والقمر بازغاً.
{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}[يوسف:٨١] ، فنحن وعدناك أن نحفظ أخانا ولكن ما كنا للغيب حافظين، فقد يقول العبد يوماً: إن شاء الله سأفعل كذا، ولا يشاء الله له أن يفعل، كما قال موسى عليه السلام للخضر:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا وَلا أَعْصِي لَكَ أَمْرًا}[الكهف:٦٩] ، فمرت حالتان وقبيل الحالة الثالثة قال موسى:{إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ بَعْدَهَا فَلا تُصَاحِبْنِي قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي عُذْرًا}[الكهف:٧٦] ، وما صبر موسى بعد الثالثة، قال نبينا محمد عليه الصلاة والسلام:(وددنا والله أن موسى صبر حتى يقص الله علينا من أخباره) ، مع أن موسى قال:{سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ صَابِرًا}[الكهف:٦٩] ، لكن لم يشأ الله ذلك.
فإخوة يوسف قالوا: نحفظ أخانا، ثم قالوا بعد ذلك:{وَمَا كُنَّا لِلْغَيْبِ حافِظِينَ}[يوسف:٨١] .