للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (سبح اسم ربك الأعلى)]

قال تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} [الأعلى:١] .

سبح: أي نزه ومجد وعظم.

سبح: أي: قل: سبحان الله، نزه الله، {وَقَالَتِ الْيَهُودُ عُزَيْرٌ ابْنُ اللَّهِ وَقَالَتِ النَّصَارَى الْمَسِيحُ ابْنُ اللَّهِ ذَلِكَ قَوْلُهُمْ بِأَفْوَاهِهِمْ يُضَاهِئُونَ قَوْلَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ قَبْلُ قَاتَلَهُمُ اللَّهُ أَنَّى يُؤْفَكُونَ * اتَّخَذُوا أَحْبَارَهُمْ وَرُهْبَانَهُمْ أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ وَالْمَسِيحَ ابْنَ مَرْيَمَ} [التوبة:٣٠-٣١] إلى قوله: {وَمَا أُمِرُوا إِلَّا لِيَعْبُدُوا إِلَهًا وَاحِدًا لا إِلَهَ إِلَّا هُوَ سُبْحَانَهُ} [التوبة:٣١] أي: تنزه عما يوصف به من أعدائه، تنزه عن الولد، تنزه عن الزوجة، تنزه عن الشريك، تنزه عن الأب، تنزه عن الأم، وهكذا، (فسبح) معناها اللغوي والشرعي أيضاً: نزه، وتطلق كلمة (سبح) بمعنى: اذكر الله بقولك: سبحان الله، وتطلق كلمة (سبح) بمعنى: صل، {وَسَبِّحْ بِحَمْدِ رَبِّكَ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَقَبْلَ الْغُرُوبِ} [ق:٣٩] أي: صل صلاة الفجر وصلاة العصر على قول جمهور المفسرين.

إذاً سبح من معانيها: نزه، ومن معانيها: مجّد، ومن معانيها: عظم، ومن معانيها: قل: سبحان الله، ومن معانيها: صل لله، ومنه: قول ابن عمر: لو كنت مسبحاً لأتممت، أي: لو كنت مصلياً صلاة النافلة في السفر لأتممت صلاتي ولم أقصرها في السفر.

وهل المراد بـ (سبح اسم ربك الأعلى) : سبح ربك الأعلى، أو سبح الاسم نفسه يعني: نزه الاسم نفسه؟ فيها: قولان لأهل العلم: فمنهم من قال: إن كلمة: "اسم" هنا، تحصيل حاصل في هذا الباب، والمراد تسبيح الرب سبحانه، كما قال الشاعر: إلى الحول ثم اسم السلامِ عليكما ومن يبك حولاً كاملاً فقد اعتذر في قصيدة مطلعها: تمنى ابنتاي أن يعيش أبوهما وهل أنا إلا من ربيعة أو مضر فقوما وقولا بالذي قد علمتما ولا تخمشا وجهاً الشاهد قوله: إلى الحول ثم اسم السلام عليكما، والمعنى: اجلسوا إلى الحول، ابكوا علي أو صيحوا علي، واعملوا الذي تعملوه من ذلك لمدة سنة ثم اسم السلام عليكما، يعني: يكفي وسلمكما الله فقد أديتما ما عليكما، فمن العلماء من قال: ثم اسم السلام عليكما، أي: ثم سلام عليكما، لا تبكيا علي بعد هذه السنة، فقال: إن (اسم) زائدة هنا، والمراد: ثم السلام عليكما مباشرة، وفي هذه الآية من العلماء من قال: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} أي: نزه ربك، ومجد ربك، وعظم ربك، وصل لربك، وقل: سبحان ربي الأعلى، وكان ابن عمر رضي الله عنهما إذا قرأ: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: سبحان ربي الأعلى، ومن العلماء من قال: نزه الاسم أيضاً، فلا يتسمى أحد باسم الله، ولا يوجد أحد يقول: اسمي الله، ولا يجوز لأحد أن يأخذ من أسماء الله التي لا يتسمى بها إلا هو فيسمي بها نفسه، فالكفار مثلاً سموا اللات بهذا، وأخذوه من لفظ الجلالة: (الله) وأضافوا إليه التاء، وأخذوا اسم: العزى: من العزيز، فنزه اسم ربك عن أن تسميه كما يسميه المشركون، وأن تصفه كما يصفه المشركون، فهذا القول الثاني.

{سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} تقدم أن ابن عمر كان إذا قرأها قال: سبحان ربي الأعلى، وصح من مجموع الطرق أن النبي عليه الصلاة والسلام لما نزلت: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى} قال: اجعلوها في سجودكم، ولما نزلت: {فَسَبِّحْ بِاسْمِ رَبِّكَ الْعَظِيمِ} [الواقعة:٧٤] قال: (اجعلوها في ركوعكم) .