قال الله تعالى:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ}[يوسف:٥٠] ، والناظر إلى هذه الآية الكريمة وما سلف يتبين له بوضوح وجلاء: أن جمال يوسف صلى الله عليه وسلم كان سبباً في دخوله السجن جماله ثم عفته وطهارته، لكن علمه الذي آتاه الله إياه كان سبباً في إخراجه من السجن، فيظهر حينئذ فضل العلم على الجمال، وكذلك في مواطن أخر يظهر فضل العلم على المال، قال الله:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:١١٤] ، وقال:{وَمَنْ يُؤْتَ الْحِكْمَةَ فَقَدْ أُوتِيَ خَيْرًا كَثِيرًا}[البقرة:٢٦٩] ، وقال في الدنيا برمتها وما يُؤتاه ابن آدم فيها:{فَمَا مَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا فِي الآخِرَةِ إِلَّا قَلِيلٌ}[التوبة:٣٨] .
فمن ثم قال الله سبحانه وتعالى:{وَقُلْ رَبِّ زِدْنِي عِلْمًا}[طه:١١٤] ، ولا يخفاكم -معشر الإخوة- أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(من يرد الله به خيراً يفقهه في الدين) ، وقال:(خيركم من تعلم القرآن وعلمه) ، ومن هنا تظهر فائدة العلم.
قال الله سبحانه وتعالى:{وَقَالَ الْمَلِكُ ائْتُونِي بِهِ فَلَمَّا جَاءَهُ الرَّسُولُ قَالَ ارْجِعْ إِلَى رَبِّكَ}[يوسف:٥٠] ، أي: ارجع إلى سيدك الملك، {فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ}[يوسف:٥٠] ، ولم يقل: فاسأله ما بال امرأة العزيز؟ فالتعميم أولى من التخصيص؛ لأن التعميم أولى وأبعد عن التجريح والإهانة من التخصيص، ومن ثم كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا سمع من رجل شيئاً وأراد أن يخطب في الناس خطب فقال:(ما بال أقوام يصنعون كذا وكذا) ، ولا يسمي هذا الشخص باسمه، عليه الصلاة والسلام.
فمن ثم قال يوسف عليه الصلاة والسلام معمماً غير مخصص:{فَاسْأَلْهُ مَا بَالُ النِّسْوَةِ اللَّاتِي قَطَّعْنَ أَيْدِيَهُنَّ} أي: ما شأنهن، {إِنَّ رَبِّي بِكَيْدِهِنَّ عَلِيمٌ}[يوسف:٥٠] ، فسألهن الملك كما أفاده السياق، {قَالَ مَا خَطْبُكُنَّ}[يوسف:٥١] ، أي: ما شأنكن {إِذْ رَاوَدتُّنَّ يُوسُفَ عَنْ نَفْسِهِ قُلْنَ حَاشَ لِلَّهِ مَا عَلِمْنَا عَلَيْهِ مِنْ سُوءٍ قَالَتِ امْرَأَةُ الْعَزِيزِ}[يوسف:٥١] ، مظهرة للحق ومجلية له، ومعترفة بالذنب:{الآنَ حَصْحَصَ الْحَقُّ أَنَا رَاوَدتُّهُ عَنْ نَفْسِهِ}[يوسف:٥١] ، اعترفت هذه المرأة بالحق الذي كان من أمرها مع يوسف صلى الله عليه وسلم، وهكذا ينصر الله سبحانه وتعالى الفضيلة، وهكذا ينصر الله الفضلاء، فهي تثني على من امتنع عن فعل الفاحشة معها، وثَم نساء يلعنَّ من فعل الفاحشة معهن، وثم نساء وفتيات يتلذذن لحظة من اللحظات بالفاحشة، ثم بعد ذلك يلعن من ارتكب معهن الفاحشة في الدنيا قبل أن يأتي يوم القيامة، يوم يقوم الناس لرب العالمين، لكن ينصر الله الفضيلة، ويعز الله أهلها دائماً.