قال الله:{أَيْنَمَا تَكُونُوا يُدْرِكُّمُ الْمَوْتُ وَلَوْ كُنتُمْ فِي بُرُوجٍ مُشَيَّدَةٍ وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[النساء:٧٨] ، ما المراد بالحسنة؟ المراد بها: النعم من نعم الدنيا، فإن يصبهم نعيمٌ من نعيم الدنيا، فينزل عليهم المطر، ويرزقون بأولاد، وتلد مواشيهم، ويرزقون بأموال، {وَإِنْ تُصِبْهُمْ حَسَنَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}[النساء:٧٨] أي: أنت المتسبب فيها -يا محمد- بشؤم وجودك معنا، فإنك منذُ أن جئتنا رأينا البلايا تنزل علينا، كما قال أصحاب القرية للمرسلين:{قَالُوا إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِنْ لَمْ تَنتَهُوا لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ}[يس:١٨] ، وكما قال قوم ثمود لصالح صلى الله عليه وسلم:{قَالُوا اطَّيَّرْنَا بِكَ وَبِمَنْ مَعَكَ}[النمل:٤٧] ، وكما قال تعالى في شأن قوم فرعون:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ}[الأعراف:١٣١] ، فالمقصود من قوله:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}[النساء:٧٨] أي: أن الجدب الذي حلّ بنا -يا محمد- والمصائب والأمراض التي تفشت فينا؛ إنما هي بسببك، وبشؤم بوجودك، فمنذُ أن جئتنا والبلايا تنزل علينا بلية تلو الأخرى، هذا حاصل تفسير قوله تعالى:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ}[النساء:٧٨] أي: أنت المتسبب فيها -يا محمد- بوجودك معنا.
ولا يخفى عليك أخي أن النبي صلى الله عليه وسلم نهى عن التطير، فقال:(لا طيرة، ويعجبني الفأل) ، وهذا من أنواع التطير، ومن أنواعه كذلك: أن الرجل يمسك بالطائر ويرميه إلى السماء، فإن طار ذات اليمين ذهب إلى المكان الذي يريد، وإن طار ذات الشمال ترك السفر، والله أعلم.
قال الله:{وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَقُولُوا هَذِهِ مِنْ عِنْدِكَ قُلْ كُلٌّ مِنْ عِنْدِ اللَّهِ}[النساء:٧٨] ، الحسنات والسيئات كلها مقدرة، {فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}[النساء:٧٨] ، هذه الآية تفيد أن القدرية نفاة القدر أغبياء؛ لأن الله قال في شأن أمثالهم:{فَمَالِ هَؤُلاءِ الْقَوْمِ لا يَكَادُونَ يَفْقَهُونَ حَدِيثًا}[النساء:٧٨] .