نعم يجوز أخذ الأجرة على تحفيظ القرآن، وذلك لعموم حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم، (إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) ، وذلك في قصة اللديغ الذي رقاه أبو سعيد الخدري رضي الله تعالى عنه، أما المانعون فحججهم دائرة بين الضعف وعدم الصراحة، فمن حجج المانعين حديث:(علمت رجلاً القرآن فأهدى إلي قوساً، فذكرت ذلك لرسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إن أخذتها أخذت قوساً من نار فرددتها) ، وهذا الحديث الراجح أنه ضعيف، وأكثر العلماء على تضعيفه.
الحديث الثاني للمانعين: قول النبي صلى الله عليه وسلم: (اقرءوا القرآن، ولا تغلوا فيه، ولا تجفوا عنه، ولا تأكلوا به، ولا تستكثروا به) ، وهذا الحديث وإن كان حسن الإسناد إلا أنه ليس بصريح، فالأكل بالقرآن له وجوه مشروعة، ووجوه غير مشروعة، ولو كان على عمومه لما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:(اقسموا واضربوا لي معكم بسهم) ، فتبين بحديث (اقسموا واضربوا لي معكم بسهم) ، أن قوله:(ولا تأكلوا به) ، محمول على شيءٍ خاص، وهو أن تبدل حرامه حلالاً رغبة في الأكل به كما قال الله سبحانه عن اليهود:{وَيَشْتَرُونَ بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا}[البقرة:١٧٤] ، أو الابتداع في هذا القرآن كالذي يُفعل في بعض المناسبات التي لم يُشرع فيها أن يذكر الله سبحانه بهذا النحو الذي يفعلونه، فهذه أقوى حجج القائلين بالمنع والجمهور على جواز أخذ الأجرة على تعليم القرآن.
وطائفة توسطت في الباب وقالت: إن اشترط المعلم فاشتراطه غير جائز، وإن لم يشترط فلا بأس بذلك، وطائفة أخرى قالت بالتفصيل: إن كان التعليم فرض عين -أي أنه يعلم الناس الفاتحة من أجل أن يصلوا بها ويتعبدوا ربهم- فليس له أن يطالب بأجرٍ على تعليمهم، أما إذا كان متفرغاً للتعليم فلا بأس، لكن جمهور أهل العلم على مشروعية أخذ الأجرة على تعليم القرآن مستدلين بحديث:(إن أحق ما أخذتم عليه أجراً كتاب الله) .