للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات.]

باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.

وبعد: فيقول الله سبحانه: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ وَلا خَمْسَةٍ إِلَّا هُوَ سَادِسُهُمْ وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا ثُمَّ يُنَبِّئُهُمْ بِمَا عَمِلُوا يَوْمَ الْقِيَامَةِ إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:٧] .

قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ} [المجادلة:٧] ، وفي ختام الآية: {إِنَّ اللَّهَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ} [المجادلة:٧] ، قال الإمام أحمد رحمه الله تعالى: بدأت الآية بالعلم، وختمت بالعلم: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [المجادلة:٧] فحمل فريق من المفسرين قوله تعالى: {وَلا أَدْنَى مِنْ ذَلِكَ وَلا أَكْثَرَ إِلَّا هُوَ مَعَهُمْ أَيْنَ مَا كَانُوا} [المجادلة:٧] على أن المعية في الآية الكريمة معية علم، أي: يعلم أحوالهم، فيكون التأويل: ألم تر أن الله يعلم ما في السماوات وما في الأرض ما يكون من نجوى ثلاثة إلا هو رابعهم يعلم أحوالهم، وليس المراد: (معهم) أو (رابعهم) بذاته سبحانه وتعالى، فقد قال الله: {الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى} [طه:٥] ، وقال سبحانه: {أَأَمِنتُمْ مَنْ فِي السَّمَاءِ أَنْ يَخْسِفَ بِكُمُ الأَرْضَ فَإِذَا هِيَ تَمُورُ} [الملك:١٦] ، ولما سأل رسول الله صلى الله عليه وسلم الجارية قائلاً لها: (أين الله؟ قالت: في السماء، قال: اعتقها فإنها مؤمنة) .

فبعض أهل البدع من شبههم التي يثبتون بها أن الله سبحانه وتعالى في كل مكان هذه الآية: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧] ، مع قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ وَهُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ} [الزخرف:٨٤] .

فقوله سبحانه: {وَهُوَ الَّذِي فِي السَّمَاءِ إِلَهٌ وَفِي الأَرْضِ إِلَهٌ} [الزخرف:٨٤] أي: وهو الذي في السماء معبود وفي الأرض معبود، أي: معبود في السماء، ومعبود في الأرض، أي: يعبده أهل الأرض، ويعبده أهل السماء، وهذا من قولهم: ألهت إلى فلان، فعلى ذلك فهذه الآية التي بين أيدينا لا دليل فيها لمن ذهب إلى أن الله في كل مكان، كما هو مذهب طائفة من المعتزلة والمبتدعة.

ثم إن قوله تعالى: {مَا يَكُونُ مِنْ نَجْوَى ثَلاثَةٍ إِلَّا هُوَ رَابِعُهُمْ} [المجادلة:٧] أي: يعلم مناجاتهم التي يتناجون بها.

{أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ} [المجادلة:٧] ، تقدم أن الرؤية أحياناً تأتي بمعنى العلم، نحو: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الَّذِينَ خَرَجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ وَهُمْ أُلُوفٌ حَذَرَ الْمَوْتِ} [البقرة:٢٤٣] ، ليس المراد: رؤيا البصر، فالرسول صلى الله عليه وسلم لم ير الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف حذر الموت، وكذلك قوله تعالى: {أَلَمْ تَرَ إِلَى الْمَلَإِ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيلَ مِنْ بَعْدِ مُوسَى} [البقرة:٢٤٦] ، فالرسول صلى الله عليه وسلم ما رأى الملأ من بني إسرائيل من بعد موسى، فالمراد بالرؤيا هنا: العلم، أي: ألم يأتك خبر هؤلاء الذين خرجوا من ديارهم وهم ألوف؟ وثم أقوال أخر.