[دلالة الآية على كراهة الطلاق ودخوله في الأحكام الخمسة]
هذه الآية دلت على أن الطلاق -وإن كان مباحاً في الأصل- يكره في كثير من الأحيان، فإن الطلاق عمل يسعد الشيطان، قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إن عرش إبليس على الماء وإنه يرسل سراياه فيفتنون الناس، فأعظمهم عنده أعظمهم فتنة، يأتي أحدهم فيقول: ما تركته حتى فعل كذا وكذا، فيقول له الشيطان، ما صنعت شيئاً، حتى يأتي شيطان فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين زوجته، فيدنيه ويقربه ويقول: أنت أنت) .
ومعناه: أنت الذي فعل الفعل الذي يحمد ويشكر عليه، فالتفريق بين الزوجين مذموم أو مكروه، وإن كان بعض الأوقات يستحب فيها الطلاق، وأوقات يجب فيها الطلاق، فالطلاق تنسحب عليه الأحكام التكليفية الخمسة.
ومن ثم قال الخليل إبراهيم عليه الصلاة والسلام لزوجة إسماعيل:(إذا أتى إسماعيل فأخبريه أن رجلاً قدم عليكم وقولي له: إنه يوصيك أن تغير عتبة بابك، فلما جاء إسماعيل -كما في البخاري من حديث ابن عباس موقوفاً عليه- وآنس في البيت شيئاً لم يكن على العادة، قال: هل دخل أحد البيت قالت: نعم جاء رجل كبير صفته كذا وكذا، قال: هل أوصاك بشيء؟ قالت: نعم أوصاني قال: إذا جاء إسماعيل فقولي له: غير عتبة بابك، فقال لها: أنتِ عتبة الباب، الحقي بأهلك) وطلقها إسماعيل.
وهذا لأن إبراهيم عليه الصلاة والسلام سألها عن حالهم أولاً فتسخطت وقالت: نحن في ضنك وبلاء وشدة وكرب، ولم تحمد الله على ما هي فيه، ولم تشكر الله على ما هي فيه، فكانت نصيحته لولده، أن يفارقها، وفي الرواية الأخرى:(بعد أن تزوج امرأة غيرها وجاء إبراهيم فسألها كيف عيشكم؟ فحمدت الله وأثنت عليه، فقال لها: إذا جاء إسماعيل فأخبريه أن شيخاً أتى إليه يقرئه السلام، ويقول له: ثبت عتبة بابك) ، فأحياناً الطلاق يكون مستحباً.
فلما جاء عمر إلى رسول الله يشكو ولده عبد الله وحاله مع زوجته، وأمر عمر عبد الله أن يطلق زوجته فأبى عبد الله، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم:(أطع أباك) فأطاع أباه وطلقها، فأحياناً يكون الطلاق له مسوغات ويستحب، وأحياناً يكون الطلاق مكروهاً، وأحياناً يكون الطلاق محرماً، وأحياناً يكون واجباً، لكن التقعيد أنه إلى الكراهية أقرب، وقد تقدم أن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما طلق امرأة له، فجاءته المرأة وقالت: يا عبد الله! هل تنقم عليّ شيئاً في خلقي وفي ديني؟ قال لها: لا.
قال: هل رأيت مني شيئاً تكرهه؟ قال لها: لا.
قالت: ففيم تطلق امرأة مسلمة مصلية صائمة؟ فأبقى عليها عبد الله بن عمر رضي الله تعالى عنهما، وردها إليه.