قال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ وَلِنُعَلِّمَهُ مِنْ تَأْوِيلِ الأَحَادِيثِ وَاللَّهُ غَالِبٌ عَلَى أَمْرِهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لا يَعْلَمُونَ * وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٢١-٢٢] : وبلوغ الأشد من العلماء من قال فيه: يكون ببلوغ الحلم، ومنهم من قال: ببلوغ الثلاثين، ومنهم من استدل بقوله تعالى:{حَتَّى إِذَا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَبَلَغَ أَرْبَعِينَ سَنَةً}[الأحقاف:١٥] ، فقالوا: إن بلوغ الأشد هو أربعون سنة، كما قال تعالى:{وَآتَيْنَاهُ الْحُكْمَ صَبِيًّا}[مريم:١٢] ، ومنهم من قال: الحكم هنا من الحكمة، والعقل وضع الأمور في أنصبتها اللائقة بها.
{آتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٢٢] ، فيذكر الله سبحانه وتعالى الناس بالإحسان ويحثهم عليه، إذ المحسن يكرمه الله؛ فيبين الله سبحانه وتعالى في القصص القرآني الكريم أحوال أهل الصلاح ويعمم الحكم، فمن سار على مسيرتهم جوزي خير الجزاء، كما يذكر الله سبحانه أيضاً أهل الشر، ويتوعد من سار سيرهم كما قال تعالى في شأن الحجارة التي أرسلت على قوم لوط:{مُسَوَّمَةً عِنْدَ رَبِّكَ وَمَا هِيَ مِنَ الظَّالِمِينَ بِبَعِيدٍ}[هود:٨٣] .
ويذكر الله سبحانه إنجاءه لعباده ويقول:{كَذَلِكَ نَجْزِي مَنْ شَكَرَ}[القمر:٣٥] ، أي: من شكر جازاه الله بأنواع من الجزاء مثل هذا الذي صنعناه.
فالله سبحانه ذكرنا بإكرامه لنبيه يوسف عليه السلام ثم قال: إن هذا العطاء منا ليس خاصاً بيوسف عليه السلام بسبب النبوة، بل الإنجاء والإكرام عام، فلما أبان الله الإكرام الذي أكرم به نبيه يوسف قال:{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٢٢] ، فهذا لابد أن ينتبه له.
فالقصص القرآني نأخذ منه العبر، ونتأسى بمن كان قبلنا من أهل الفضل والصلاح، فالله سبحانه ذكر قصة أيوب عليه السلام فقال:{رَحْمَةً مِنْ عِنْدِنَا وَذِكْرَى لِلْعَابِدِينَ}[الأنبياء:٨٤] ، أي: يتذكرها العباد فيسيروا سيرهم.
قال الله سبحانه وتعالى:{وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٢٢] ، المحسنون هم الذين يعبدون الله ويراقبونه مع عدم رؤيتهم له، ويعبدون الله كأنهم يرونه، ويخشون ربهم بالغيب المحسنون كاظمون للغيظ وعافون عن الناس.
فتلك من شيمهم المحسنون يقابلون الإساءات بالإحسان، والسيئات بالعفو والغفران هؤلاء هم المحسنون!