قوله:{وَأَنْفِقُوا مِنْ مَا رَزَقْنَاكُمْ}[المنافقون:١٠] ، بعض العلماء يقول:(من) هنا للتبعيض، أي: لا تنفقوا كل ما رزقناكم، ولكن أنفقوا شيئاً مما رزقناكم، وهي الزكوات المفروضة عند فريق من المفسرين، وهي كقوله تعالى:{وَإِنْ تُؤْمِنُوا وَتَتَّقُوا يُؤْتِكُمْ أُجُورَكُمْ وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ}[محمد:٣٦] ، فقوله تعالى:(وَلا يَسْأَلْكُمْ أَمْوَالَكُمْ) ، أي: لا يسألكم إنفاق جميع أموالكم، إنما يسألكم جزءاً من أموالكم، فـ (من) للتبعيض، أي: أنفقوا شيئاً مما رزقناكم.
وقد تقدم أن للإنفاق فقهاً، متسعاً يدور حول قوله تعالى:{وَلا تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلا تَبْسُطْهَا كُلَّ الْبَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُومًا مَحْسُورًا}[الإسراء:٢٩] ، وأيضاً يحكمه قوله تعالى:{إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِه كَفُوراً}[الإسراء:٢٧] ، وقوله تعالى:{إِنَّهُ لا يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ}[الأنعام:١٤١] ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(اليد العليا خير من اليد السفلى، وابدأ بمن تعول) ، وقول النبي صلى الله عليه وسلم:(دينار تصدقت به، ودينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك) .
ويضبطه أيضاً:(ما أبقيت لأهلك يا أبا بكر؟ قال: أبقيت لهم الله ورسوله) ومع ذلك: (الثلث والثلث كثير، إنك أن تذر ورثتك أغنياء خير من أن تذرهم عالة يتكففون الناس) ، فتسبك هذه المسائل سبكة فقهية مأخوذة من هذه الأحاديث، حتى تعرف متى تنفق وفي أي موطن تنفق، ومتى تسعى في الكسب ومتى تفرغ وقتاً للطاعات والعبادات؟