للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذم الرسول للنعرات الجاهلية]

أثيرت نعرة من النعرات الجاهلية على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم، وكان من حملة هذه النعرة قوم مسلمون، مع أنها نعرة تنادي بأسماء أثنى الله عليها، لكنها لما كانت تنطوي على بث للفرقة والخلاف بين المسلمين وصفها الرسول بالنتن، كان النبي صلى الله عليه وسلم مع أصحابه في سفر، فاختلف مهاجري مع أنصاري، فكسع المهاجري الأنصاري، فنادى الإنصاري: يا للأنصار! فاجتمع إليه قومه، ونادى المهاجري: يا للمهاجرين! فاجتمع إليه قومه، فتضاربوا فيما بينهم بالجريد والنعال، فجاء الرسول صلى الله عليه وسلم وقال (أبدعوى الجاهلية وأنا بين أظهركم؟! دعوها فإنها منتنة) .

مع أن هذا الشعار الذي رفع: يا للأنصار! وقد أثنى الله عليهم في جملة مواطن، والمهاجرون أيضاً أثنى عليهم الله في جملة مواطن، لكن لما ولَّد هذا الشعار المرفوع فرقة واختلافاً بين المسلمين شجبه الرسول صلى الله عليه وسلم وذمه أيما ذم، ووصفه رسول الله صلى الله عليه وسلم بالنتن بقوله: (دعوها فإنها منتنة) ، وكان من الذين أججوا شعار هذه الفتنة عبد الله بن أبي بن سلول؛ إذ قال لما رأى هذا الموقف المختلف: أو قد فعلوها؟ -يعني: المهاجرين- لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، فنزل قوله تعالى: {يَقُولُونَ لَئِنْ رَجَعْنَا إِلَى الْمَدِينَةِ لَيُخْرِجَنَّ الأَعَزُّ مِنْهَا الأَذَلَّ وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لا يَعْلَمُونَ} [المنافقون:٨] ، فأصول ديننا كلها تدعونا إلى الاجتماع تحت اسم واحد، هو اسم الإسلام، ومسمى المسلمين، هذه نصوص كتاب الله كلها تنطق بذلك: {مِلَّةَ أَبِيكُمْ إِبْرَاهِيمَ هُوَ سَمَّاكُمُ الْمُسْلِمينَ مِنْ قَبْل} [الحج:٧٨] (هو) : راجعة إلى من؟ قال كثير من أهل التأويل: إن (هو) راجعة إلى الله سبحانه، أي: الله الذي سمانا المسلمين، ويدل عليه حديث الرسول عليه الصلاة والسلام الذي أخرجه أحمد وغيره بسند صحيح، عن الحارث الأشعري مرفوعاً: (تسموا بما سماكم الله به، هو سماكم المسلمين المؤمنين عباد الله) .