للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله: (واستغفري لذنبك)]

قال الله سبحانه وتعالى: {يُوسُفُ أَعْرِضْ عَنْ هَذَا} [يوسف:٢٩] ، أي: يا يوسف! أعرض عن هذا، {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} [يوسف:٢٩] ، من المفسرين من يقول: إن هذا الزوج كان متبلد الإحساس غير غيور على عرضه، لاكتفائه بقوله: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) ، ومن العلماء من التمس له عذراً في ذلك فقال: إن الجمال الزائد الذي رآه من يوسف عليه السلام جعله يعذر امرأته ويكتفي بقوله: (وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ) .

فما معنى قوله: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} ؟ من العلماء من أول ذلك بقوله: اطلبي مغفرة زوجك لك، كما قال تعالى: {قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ} [الجاثية:١٤] ، وكما قال بعض الصحابة لرسول الله صلى الله عليه وسلم في شأن عبد الله بن أبي: اغفر له يا رسول الله! أو اعف عنه واصفح يا رسول لله! فهذا وجه ساقه بعض أهل العلم.

فقوله تعالى: {وَاسْتَغْفِرِي لِذَنْبِكِ} توجيه، {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:٢٩] ، لِم لَم يقل: من الخاطئات؟ من أهل العلم من قال: إن خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث، مستدلاً بهذه الآية: {إِنَّكِ كُنتِ مِنَ الْخَاطِئِينَ} [يوسف:٢٩] ، ولم يقل: من الخاطئات، وكذلك استدل بقوله تعالى: {وَمَرْيَمَ ابْنَتَ عِمْرَانَ الَّتِي أَحْصَنَتْ فَرْجَهَا فَنَفَخْنَا فِيهِ مِنْ رُوحِنَا وَصَدَّقَتْ بِكَلِمَاتِ رَبِّهَا وَكُتُبِهِ وَكَانَتْ مِنَ الْقَانِتِينَ} [التحريم:١٢] ، ولم يقل: من القانتات، فاستدل بذلك فريق من أهل العلم على أن خطاب الذكور يشمل الذكور والإناث، فالتكليف الذي يأتي للذكور يشمل الذكور والإناث ما لم يأت نص يخصصه.

ومن العلماء من قال: خطاب الذكور للذكور والنساء يلزمهن خطاب مستقل، واستدل هذا القائل بقول الله تعالى: {إِنَّ الْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ وَالْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ} [الأحزاب:٣٥] إلى آخر الآية، وبقوله تعالى: {لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:١١] ، وبقول الشاعر: ولا أدري ولست إخال أدري أقوم أهل حصن أم نساء فقال بناء على هذا: إن خطاب الذكور للذكور وخطاب الإناث للإناث، إلا أن الأولين وجهوا ذلك بأن قوله تعالى: {وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ} [الحجرات:١١] ، من باب عطف الخاص على العام، وعطف الخاص على العام جائز، وهذا ينبني عليه اختلاف في بعض الأحكام الفقهية، ومن أمثل الأمثلة التي تساق لذلك: مسألة المجامع في رمضان، هل تلزم امرأته هي الأخرى بكفارة أم لا؟ فعلى قول من قال: إن خطاب الذكور للذكور والإناث يلزمها بكفارة هي الأخرى، وعلى قول من قال: إن النساء يلزمهن خطاب مستقل فسيقول: إن النبي لم يلزم هذه المرأة التي جامعها زوجها في رمضان بكفارة، ومن ثَم يتألق قول من قال: إن الكفارة عليهما معاً.

والله أعلم.