للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[بيان المنعم عليهم وترتيبهم في الأفضلية]

{وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ} [النساء:٦٩] من هم المنعم عليهم؟ فُسِّرُوا في الآية الكريمة: {مِنَ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ} [النساء:٦٩] وهل الواو تقتضي الترتيب، فيقال: إن النبيين أعلى درجة من الصديقين، والصديقين أعلى درجة من الشهداء، والشهداء أعلى درجة من الصالحين، أو يقال: إن الواو لا تقتضي الترتيب؟ الواو أحياناً تقتضي الترتيب، وأحياناً لا تقتضي إلا مطلق التشريك، مثال الثاني قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَى أَهْلِهَا} [النور:٢٧] ، فمن المعلوم أن السلام يكون قبل الاستئناس؛ لأن الاستئناس يكون إذا دخلت البيت فتستأذن أن تستأنس كما قال عمر لرسول الله صلى الله عليه وسلم لما دخل وقد أذن له: (أأستأنس يا رسول الله؟ فأذن له النبي صلى الله عليه وسلم) فقوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّى تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا} المراد بالسلام هنا: سلام الاستئذان لقوله: ((عَلَى أَهْلِهَا)) ، ومن المعلوم أن الاستئناس بعد السلام، فالواو لا تقتضي الترتيب، على ذلك وبعض إخواننا يستدلون بعموم الآيات أحياناً دون تدقيق في السنة، فيستدلون مثلاً بقوله تعالى: {وَفَاكِهَةٍ مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ * وَلَحْمِ طَيْرٍ مِمَّا يَشْتَهُونَ} [الواقعة:٢٠-٢١] على تقديم الفاكهة في الأكل على اللحم، وقد يخدش في الاستدلال بهذه الآية على هذا المعنى، وإن كان بعض الأطباء يقرر أن أكل الفاكهة قبل اللحم أيسر على المعدة من أجل الهضم، وإذا كان ذلك فالعهدة عليهم في هذا، لكن من الناحية الشرعية سواءً قدمت هذا على ذاك، أو هذا على ذاك فالواو لا تقتضي الترتيب في كل الأحيان.

وهنا يقال: هل النبيون أعلى درجات ثم الصديقون ثم الشهداء ثم أهل الصلاح؟ قد يكون الأمر على ذلك في بعض الأحيان، كما قال النبي صلى الله عليه وسلم لما صعد أحداً ورجف بهم جبل أحد، وكان عليه النبي صلى الله عليه وسلم وأبو بكر وعمر وعثمان، فضربه النبي صلى الله عليه وسلم وقال له: (اثبت أحد فإنما عليك نبي وصديق وشهيدان) ، والنبي هو محمد عليه الصلاة والسلام، والصديق أبو بكر، والشهيدان عمر وعثمان رضي الله عنهما، فلا شك أن النبي أعلى درجة ثم أبا بكر الصديق أعلى درجة من عمر ثم عمر وعثمان رضي الله تعالى عنهما، فهنا الواو أفادت الترتيب، لكن في الآية قد يسلم هذا الاستدلال وقد لا يسلم؛ لأن الصديقية قد تلازم النبوة كما قال الله تعالى: {وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِبْرَاهِيمَ إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم:٤١] ، وقال الله سبحانه وتعالى في شأن إدريس كذلك: {إِنَّهُ كَانَ صِدِّيقًا نَبِيًّا} [مريم:٥٦] وغيرهم من الأنبياء، فقد تلازم الصديقيةُ النبوةَ، وقد تختلف النبوة عن الصديقية، فتكون الصديقية أنزل درجة من النبوة، فيكون الصديق أقل درجة من النبي، فحال يتحد الصديق والنبي، فكل نبي صديق، وقد يفترق النبي في المعنى عن الصديق.