[استحباب جماع الرجل لزوجته يوم الجمعة]
هل يستحب للشخص أن يجامع زوجته يوم الجمعة وهو متجه إلى الصلاة، أو في نهار الجمعة، أو في ليلة الجمعة؟ ورد حديث فيه: (من غسل واغتسل، وبكر وابتكر، ومشى ولم يركب، ثم أتى إلى الجمعة فاستمع وأنصت، ولم يفرق بين اثنين، ثم صلى مع الإمام فإنه لا يخطو خطوة إلا كتب له بها أجر سنة قيامها وصيامها) .
أخذ بعض العلماء من قوله: (غسل واغتسل) أي: غسل زوجته - تسبب لها في أن تغتسل وذلك بالإتيان الذي يترتب عليه الجنابة فمن ثم تغتسل، وهو كذلك سيغتسل، فحملوها على هذا المعنى.
وهذا الحديث -في الحقيقة- صحيح من حيث سلامة الإسناد، لكن في القلب من متنه شيء، وذلك لأن النصوص الواردة عن رسول الله صلى الله عليه وسلم بأسانيد ثابتة صحيحة كالجبال، عمومها يفيد أن الخطوة تحط خطيئة وترفع درجة، وهي في الصحيحين أو في غيرهما، لكن هذا الحديث خارج الصحيحين.
وهذا الحديث فيه زيادة وهي: (أن كل خطوة بها يكتب أجر سنة صيامها وقيامها) ، فهذا من ناحية المعنى لا يتفق مع الوارد في الصحيحين بأسانيد أثبت وأصح من هذه الأسانيد أن كل خطوة تحط خطيئة أو ترفع درجة.
وقد قال الذهبي في تعليقه على مستدرك الحاكم في شأن هذا الحديث: وهذا الحديث له علة مهدرة يعني: أنه لا يقبل العلة المهدرة التي فيه.
وفي الحقيقة أن بعض أهل العلم يقولون: ذلك فضل الله يؤتيه من يشاء، ومنهم من يقول: إن من العلماء من جعل من القرائن التي تحكم على الحديث بالضعف الأجر الكبير جداً مقابل العمل اليسير، أو العذاب الشديد جداً مقابل الذنب اليسير، فيجعلون ذلك من القرائن على الحكم على الحديث بالوضع أو بالضعف.
ومن ثم فضعف بعض العلماء حديث السوق (من دخل السوق فقال: لا إله إلا الله وحده لا شريك له، له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير كتبت له ألف ألف حسنة، ورفعت له ألف ألف درجة، ومحيت عنه ألف ألف سيئة) إلى آخر الحديث.
مع أن الحديث الثابت في صحيح مسلم: (له بكل تهليلة صدقة) فالأحاديث الثابتة (لك بالتهليلة صدقة، وبالتسبيحة صدقة، وبالتحميدة صدقة) بينما ذاك جعل لك ألف ألف حسنة، ومحا عنك ألف ألف سيئة، ورفعت بذلك ألف ألف درجة، بيد أن الحديث في إسناده عمرو بن دينار قهرمان آل الزبير، وهو ضعيف، وهو غير عمرو بن دينار صاحب الصحيحين.
فمن العلماء من يجعل الأجر العظيم جداً مقابل العمل اليسير فيه إشارة إلى ضعف الحديث، لكن على كل حال: إسناد الحديث حتى الآن ثابت، وهو إما صحيح أو حسن، ولا ينزل عن الحسن، إلا أن البحث ما زال جارياً عن علة لعدم طمأنينة النفس إلى هذا الحديث، كعدم طمأنينة النفس من قبل إلى حديث: (الربا سبعون باباً أيسرها أن يأتي الرجل أمه) هذا الحديث أصلاً مخالف من ناحية المعنى لثوابت أخر، فإن النبي صلى الله عليه وسلم لما ذكر أكبر الكبائر قال (الشرك بالله، ثم أن تقتل ولدك خشية أن يطعم معك، ثم أن تزاني حليلة جارك) فجعل الزنا بحليلة الجار مقدم على الربا، ولا شك أن الزنا بالمحرم كالأم أو الأخت أعظم من الزنا بحليلة الجار، إذاً قدم على الربا بعمومه، فكيف تقول: أيسر شعبة في الربا بسبعين زنية بالمحرم؛ الأم أو الأخت؟ فلهذا ضعفه فريق من العلماء من هذا الباب فضلاً عن ما في أسانيده من ضعف، وثم رسالات مؤلفة في هذا الحديث.
على كل حال: استحب فريق من أهل العلم الجماع يوم الجمعة؛ لما يجره الجماع من اغتسال، ولما يجره الاغتسال من ثواب سواء للرجل أو للمرأة، والله سبحانه وتعالى أعلم.
شذ ابن حزم هنا شذوذاً غريباً خالف فيه جماهير العلماء وفحوى شذوذه: أن من جامع زوجته في يوم الجمعة فعليه غسلان، غسل لرفع الجنابة، وغسل آخر للجمعة، وهذا من القول الغريب العجيب إذ لم يرد أن الرسول اغتسل غسلين صلوات الله وسلامه عليه يوم الجمعة، لكن لعله بنى على أنه لا يصلح أن تكون هناك نيتان لعمل واحد، فقال: هذه الجنابة يلزمها غسل بنية، والجمعة يلزمها غسل بنية أخرى، لكن على كل حال هذا قول شاذ ومطرح ومنبوذ.