[تفسير قوله تعالى: (وأما بنعمة ربك فحدث)]
قال تعالى: {وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١١] ، ما المراد بالتحديث بنعمة الله؟ من العلماء من قال: إن المراد بالتحديث بنعمة الله: العمل بمقتضى نعمة الله عليك.
فمثلاً، التحديث بنعمة المال: أن تنفقه في أوجه الخير، التحديث بنعمة الصحة: أن تستعملها في الخير، التحديث بنعمة المنصب: أن تساعد به أهل الاحتياج، التحديث بنعمة الزكاة: أن تفهم الأغنياء وترشدهم.
فكل نعمة لها شكر.
ومنهم من قال: اذكر نعمة الله عليك في نفسك، ولا تنساها، فإنك إذا ذكرت نعمة الله عليك في نفسك حملك هذا الذكر على فعل الخير.
ومن العلماء من قال: أظهرها للناس وحدث الناس بما أنعم الله عليك، ولكن لهذه الفقرة الأخيرة ضابطاً فقهياً.
فإذا كنت لا تخشى من الناس الحسد والمكر بك، حينئذ يستحب لك التحديث، تقول: إن الله أكرمني بكذا، أكرمني ربي بكذا، أكرمني ربي بكذا.
ومن ذلك قول النبي صلى الله عليه وسلم: (إن الله يحب أن يرى أثر نعمته على عبده) ، حتى في حياتنا الدنيا، فأنت مثلاً إذا جئت وأهديت لأخيك أو لجارك الفقير ثوباً، كم تسعد إذا رأيت هذا الفقير الذي كان يلبس ثوباً مقطعاً خرج وهو منشرح الصدر ويلبس الثوب الجديد ويمشي به في الناس، فصدرك ينشرح وتسعد غاية السعادة.
إذا ذهبت إلى بيت فقير، ووجدته يتأوه ويتقلب على الفراش من البرد، وأهديته بطانية، وذهبت ورأيته يتقلب في البطانية ويحمد الله ويثني عليه، ويشكرك على صنيعك؛ لا شك أنك تفرح، وقلبك وصدرك ينشرحان لهذا الفعل الذي رأيته.
فحدث بنعمة الله عليك ولير عليك أثر نعمة الله سبحانه وتعالى، ودع عنك أهل الجهل من أهل التصوف المقيت الذين يفترون أحاديث مكذوبة وموضوعة على رسول الله صلى الله عليه وسلم، تحمل على لبس المرقع، ويروون أشياء لا أصل لها، منها أن ثوب عمر كان فيه ثلاث عشرة رقعة، إلى غير ذلك من التخاريف التي يروونها عن أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم، والرسول عليه الصلاة والسلام قد خرج يوماً في حلة حمراء لم يُر على أحد مثلها.
{وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ} [الضحى:١١] هذا تفسيره، لكن إن خشيت من حسد الحاسدين، فحينئذ استر عن هذا الحاسد النعمة، كما قال يعقوب عليه الصلاة والسلام: {يَا بُنَيَّ لا تَقْصُصْ رُؤْيَاكَ عَلَى إِخْوَتِكَ فَيَكِيدُوا لَكَ كَيْدًا إِنَّ الشَّيْطَانَ لِلإِنسَانِ عَدُوٌّ مُبِينٌ} [يوسف:٥] ، وكما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إذا رأى أحدكم في منامه ما يحب، فليحدث به من يحب) ، فقط تحدث الذي تحبه فقط، أما الذي تخشى من حسده فاكتم عنه هذه الرؤيا.
أما حديث: (استعينوا على قضاء حوائجكم بالكتمان، فإن كل ذي نعمة محسود) ، فقد أطبق العلماء الأوائل: كـ أحمد بن حنبل، ويحيى ين معين وابن المديني وغيرهم على تضعيفه وتوهينه، وبالغ بعضهم فحكم عليه بالوضع، لكن معناه يدخل في القضية فقهياً.
وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.