ووجه آخر للمفسرين في تفسير قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} : أن هذا في أهل النفاق، الذين يراءون الناس ولا يذكرون الله إلا قليلاً، سواء كان نفاق العمل أو نفاق الاعتقاد، وقد قال الله في الحديث القدسي:(من عمل عملاً أشرك فيه معي غيري تركته وشركه) .
ويقول الله سبحانه وتعالى للمرائين إذا جاء الناس بأعمالهم:(اذهبوا إلى الذين كنتم تراءون في الدنيا فانظروا هل تجدون عندهم من جزاء) ، ويقول النبي صلى الله عليه وسلم:(إن أخوف ما أخاف على أمتي الشرك الأصغر، قالوا: وما الشرك الأصغر يا رسول الله؟ قال: الرياء) ، صلوات الله وسلامه على نبينا محمد؛ فشخص يعرف أن الله خالق رازق إله، ثم بعد ذلك يعمل أعمالاً يبتغي بها وجهاً غير وجه الله سبحانه! فهذا يدخل أيضاً في قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ} .
كما يدخل في ذلك ما ورد في حديث النبي صلى الله عليه وسلم حين كان في الحديبية مع أصحابه رضي الله عنهم، فقال لأصحابه على إثر سماء أصابتهم من الليل -أي: مطر نزل عليهم من الليل-: (هل تدرون ماذا قال ربكم؟ قالوا: الله ورسوله أعلم! قال: قال ربكم: أصبح من عبادي الليلة مؤمن بي وكافر، فأما من قال: مطرنا بفضل الله وبرحمته فذاك مؤمن بي كافر بالكوكب، وأما من قال: مطرنا بنوء كذا وبنوء كذا، فذاك كافر بي مؤمن بالكوكب) ، فهذه أيضاً صورة داخلة تحت قوله تعالى:{وَمَا يُؤْمِنُ أَكْثَرُهُمْ بِاللَّهِ إِلَّا وَهُمْ مُشْرِكُونَ}[يوسف:١٠٦] .
ومن العلماء من يقول قولاً آخر في ذلك فيقول: هذا في اليهود والنصارى، فإنهم يقرون بالله ولكنهم يقولون: عزير ابن الله، ويقولون: المسيح ابن الله، فهذا وجه أيضاً.