للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

تفسير قوله تعالى: (وفتحت السماء فكانت أبواباً.)

قال تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} [النبأ:١٩] ، فهذه السماء التي قال الله عز وجل عنها: {فَارْجِعِ الْبَصَرَ هَلْ تَرَى مِنْ فُطُورٍ} [الملك:٣] يعني: انظر إلى السماء بدقة وركز بصرك إلى السماء هل ترى فيها ثقباً واحداً؟ {ثُمَّ ارْجِعِ الْبَصَرَ كَرَّتَيْنِ يَنقَلِبْ إِلَيْكَ الْبَصَرُ خَاسِئًا وَهُوَ حَسِيرٌ} .

فهذه السماء التي هي السبع الشداد خلقت على ما خلقت عليه الآن وليس فيها فروج كما قال تعالى: {أَفَلَمْ يَنْظُرُوا إِلَى السَّمَاءِ فَوْقَهُمْ كَيْفَ بَنَيْنَاهَا وَزَيَّنَّاهَا وَمَا لَهَا مِنْ فُرُوجٍ} [ق:٦] ، فيوم القيامة تفتح وتشقق، كما قال تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ} [الفرقان:٢٥] ، وينزل الملائكة الذين كانوا فيها وفوقها {وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} [الفرقان:٢٥] ، وكما قال تعالى: {وَانشَقَّتِ السَّمَاءُ فَهِيَ يَوْمَئِذٍ وَاهِيَةٌ} [الحاقة:١٦] ، فتتقطع السماء، وتتفتح السماء، وينزل من أبوابها الملائكة.

قال تعالى: {وَفُتِحَتِ السَّمَاءُ فَكَانَتْ أَبْوَابًا} : قال فريق من العلماء أي: أبواباً لنزول الملائكة، ودليله قوله تعالى: {وَيَوْمَ تَشَقَّقُ السَّمَاءُ بِالْغَمَامِ وَنُزِّلَ الْمَلائِكَةُ تَنزِيلًا} .

{وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} [النبأ:٢٠] أي: أزيحت وأزيلت عن أماكنها، {فَكَانَتْ سَرَابًا} [النبأ:٢٠] أي: كالسراب، والسراب هو: الشيء الذي يراه الناظر من بعيد فيظن أنه ماء وليس بماء، فالمسافر في الصحاري في وقت الظهيرة من شدة العطش ينظر إلى الأرض من بعيد فيظنها بحراً من الماء، فيأتي إليها وليس ثم ماء، فهذا هو السراب.

قال تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ فَكَانَتْ سَرَابًا} ، فالجبال تعتريها أمور، قال الله سبحانه وتعالى: {وَيَوْمَ نُسَيِّرُ الْجِبَالَ وَتَرَى الأَرْضَ بَارِزَةً وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} [الكهف:٤٧] ، وقال تعالى: {وَحُمِلَتِ الأَرْضُ وَالْجِبَالُ فَدُكَّتَا دَكَّةً وَاحِدَةً} [الحاقة:١٤] ، فتحمل الأرض والجبال فتدك دكة واحدة، وقال تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْجِبَالِ فَقُلْ يَنسِفُهَا رَبِّي نَسْفًا} [طه:١٠٥] ، وقال تعالى: {وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ} [النمل:٨٨] .

فمن العلماء من قال: إن الجبال تسير عن أماكنها وتدك وتنسف، كما قال تعالى: {وَبُسَّتِ الْجِبَالُ بَسًّا * فَكَانَتْ هَبَاءً مُنْبَثًّا} [الواقعة:٥-٦] ، وبعدها تتطاير في الهواء، وتنسف نسفاً، والآيات التي ذكرت وصف الجبال يوم القيامة هي مراحل مرتبة، وليس عندنا دليل على كيفية الترتيب، هل ستكون هباءً منبثاً أولاً؟ أو تكون كالعهن المنفوش أولاً؟ أو تدك أولاً؟ لكن الظاهر أن الدك أولاً؛ لأن الدك يصحبه تفتت، وبعد التفتت تكون كما ذكر الله سبحانه وتعالى: {وَتَكُونُ الْجِبَالُ كَالْعِهْنِ} [المعارج:٩] ، أي: كالصوف، وبعدها كالعهن المنفوش، أي: الصوف المتطاير، إلى غير ذلك.

قال تعالى: {وَسُيِّرَتِ الْجِبَالُ} أي: عن أماكنها، فإذا نظرت إلى أماكنها تظن أن هناك جبالاً، ولكنها سراب لم يعد لها أثر.