وقوله تعالى:{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ} ، كما هو معروف أن الاشتراك في المصيبة يخففها ويهونها، ما دامت في مصيبة من مصائب الحياة الدنيا، وقد قالت الخنساء مقولتها المشهورة: ولولا كثرة الباكين حولي على إخوانهم لقتلت نفسي ولا يبكون مثل أخي ولكن أعزي النفس منهم بالتأسي وأحسن من ذلك قول رسول الله صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة: (يا فاطمة! إنه قد حل بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحداً) ، أي: الموت، فيعزيها النبي صلى الله عليه وسلم ويسليها، وبأن الذي يصيب أباها يصيب غيره كذلك، ومن هذا الباب قوله تعالى:{وَمَا جَعَلْنَا لِبَشَرٍ مِنْ قَبْلِكَ الْخُلْدَ}[الأنبياء:٣٤] .
أرجع فأقول -وبالله التوفيق-: إن الاشتراك في المصيبة يهونها ويخففها، إلا مصائب الآخرة والعياذ بالله! فالله يقول لأهل الكفر:{وَلَنْ يَنفَعَكُمُ الْيَوْمَ إِذْ ظَلَمْتُمْ أَنَّكُمْ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ}[الزخرف:٣٩] ، أي: لا ينفعكم اشتراككم في العذاب يوم القيامة في التخفيف عنكم شيئاً، فدخول الفتيين مع يوسف السجن فيه نوع من التخفيف عنه صلى الله عليه وسلم.
{وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الآخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٣٦] ، فعلامات الإحسان تبدو على الوجوه، سواء في السجون أو في خارج السجون، وقد قال الله تعالى في شأن أهل الإيمان والصلاة:{سِيمَاهُمْ فِي وُجُوهِهِمْ مِنْ أَثَرِ السُّجُودِ}[الفتح:٢٩] ، وكذلك علامات الصلاح تظهر من كلمات تخرج من الأفواه، فالرجل الطيب والمرأة الطيبة تعرفهم من طيب قولهم، إذ قال الله:{وَالطَّيِّبَاتُ لِلطَّيِّبِينَ وَالطَّيِّبُونَ لِلطَّيِّبَاتِ أُوْلَئِكَ مُبَرَّءُونَ مِمَّا يَقُولُونَ}[النور:٢٦] ، وقال في شأن أهل النفاق:{وَلَوْ نَشَاءُ لَأَرَيْنَاكَهُمْ فَلَعَرَفْتَهُمْ بِسِيمَاهُمْ وَلَتَعْرِفَنَّهُمْ فِي لَحْنِ الْقَوْلِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ أَعْمَالَكُمْ}[محمد:٣٠] .