للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تدبر السلف لكتاب الله]

أعجبت هذه الآية الكريمة أعرابياً من الأعراب فقال: أشهد أن هذا القرآن من عند الله.

فكان الناس يتدبرون آيات القرآن ويتفهمونها، ويحضرني في هذا المقام أثر في كيفية تدبر الصحابة للقرآن، وإن لم يسعفني النظر في إسناده، وهو عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما؛ يبين كيف كان ابن عباس يتلقى هذا القرآن ويفهمه ببركة دعاء النبي صلى الله عليه وسلم له، كان أمير المؤمنين عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه جالساً وأصحابه بعد صلاة الفجر، فقد كان يصلي الفجر ثم يدخل معه حملة كتاب الله يستشيرهم في أموره، ويتدارس معهم كتاب الله عز وجل، وكان يدخل معه عبد الله بن عباس رضي الله عنهما، فدخل عبد الله بن عباس رضي الله عنهما يوماً مع أمير المؤمنين عمر رضي الله عنه مع سائر الصحابة الذين هم من حملة كتاب الله، فإذا بقارئ يقرأ عليهم فبدأ بقول الله تعالى: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يُعْجِبُكَ قَوْلُهُ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَيُشْهِدُ اللَّهَ عَلَى مَا فِي قَلْبِهِ وَهُوَ أَلَدُّ الْخِصَامِ * وَإِذَا تَوَلَّى سَعَى فِي الأَرْضِ لِيُفْسِدَ فِيهَا وَيُهْلِكَ الْحَرْثَ وَالنَّسْلَ وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ * وَإِذَا قِيلَ لَهُ اتَّقِ اللَّهَ أَخَذَتْهُ الْعِزَّةُ بِالإِثْمِ فَحَسْبُهُ جَهَنَّمُ وَلَبِئْسَ الْمِهَادُ} [البقرة:٢٠٤-٢٠٦] ، ثم قرأ القارئ: {وَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَشْرِي نَفْسَهُ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ وَاللَّهُ رَءُوفٌ بِالْعِبَادِ} [البقرة:٢٠٧] ، فلما قرأ القارئ هذه الآية الكريمة ضرب ابن عباس برجل صاحبه الذي يجاوره وقال: اقتتلا والله اقتتلا والله!! استوقفت هذه الكلمة عمر رضي الله عنه، فقال لـ ابن عباس: ماذا قلت يا ابن عباس؟ فاستحيا ابن عباس، فأعاد عليه عمر: ماذا قلت يا ابن عباس؟ فاستحيا ابن عباس، فأعاد عليه عمر وأقسم عليه: ماذا قلت يا ابن عباس؟ قال: يا أمير المؤمنين! قلت: اقتتلا! قال: من اللذان اقتتلا؟ قال: اقتتلا يا أمير المؤمنين! قال: من اللذان اقتتلا؟ قال ابن عباس شارحاً الآيات: يا أمير المؤمنين! هذا رجل يعجبك قوله في الحياة الدنيا ويشهد الله على ما في قلبه وهو ألد الخصام، وتولى: أي خرج، أو أصبح والياً، فلما تولى مشى في الأرض يقتل هذا ويقتل ذاك، ويهلك حرث هذا ويهلك حرث ذاك، ويشتم هذا ويضرب ذاك يمشى على هذه الطريقة، يضرب ويقتل ويسمّ البهائم، ويحرق الأشجار، ويدمر الثمار، والناس تعبوا يقولون: اتق الله! خف الله! حرام عليك صنيعك هذا! فتأخذه العزة بالإثم ويزداد، فحينئذٍ لم يعجب هذا الصنيع رجلاً من الصالحين، فقام مشترياً نفسه ابتغاء مرضاة الله وقال: إني أوقف زحف هذا العدو الصائل الباغي، فقام متصدياً له، فحصلت المعركة، وحصل الاقتتال.

فانظر إلى فهم ابن عباس وتمشيه مع كتاب الله، وتدبره لآيات كتاب الله العزيز، وانظر إلى حالك مع كتاب الله، إن الله يقول: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا} [محمد:٢٤] {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:٢٩] ، فلتستغفر الله يا عبد الله، لتستغفر الله حتى تزال الحجب التي على قلبك من جراء المعاصي، وتفهم كتاب الله على الوجه اللائق به، مستعيناً بالله ثم بالمذاكرة وبالمتابعة.