للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (يوفون بالنذر.]

{يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} [الإنسان:٧] من صفات هؤلاء الأبرار أنهم يوفون بالنذر، والنذر هنا عام، لكن أريد به الخصوص، فالمراد بالنذر الذي يوفى به: نذر الطاعة والتبرر لا نذر المعصية، فإن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (من نذر أن يطيع الله فليطعه، ومن نذر أن يعصي الله فلا يعصه) فلفظة النذر جاءت عامة، لكن أريد بها الخصوص.

أقسام النذر: والنذر على خمسة أقسام: نذر الطاعة ويطلق على نذر الطاعة نذر التبرر، وينقسم إلى قسمين: القسم الأول: نذر عوض أو مقابلة.

القسم الثاني: نذر الابتداء.

فنذر الابتداء: أن تقول: لله عليّ أن أحج، لله عليّ أن أصوم لله علي أن أعتمر، فهذا نذر ابتداء، ليس مقيداً بشيء.

ونذر المقابلة أو العوض أو المجازاة، أن تقول: لله عليّ إن شفا الله ولدي أن أحج، فجعلت الحج هنا مرتباً على شفاء الولد، فهذا الأخير نهى عنه رسول الله عليه الصلاة والسلام.

ومن العلماء من يرى أن النهي من رسول الله عليه الصلاة والسلام عام، فإن الرسول نهى عن النذر وقال: (إن النذر لا يقدم شيئاً، ولا يؤخر شيئاً، إنما يستخرج به من البخيل) أي: يخرج به منه ما لا يريد إخراجه.

ومن العلماء من حمل الحديث على نذر المقابلة أو نذر العوض.

ومنهم من أطلق وقال: الأفضل ألا تنذر مطلقاً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ما نذر شيئاً، لكن إن نذرت نذر طاعة بأحد قسميه لزمك الوفاء بهذا النذر؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم ذكر القرون المفضلة، ثم قال: (ثم يأتي قوم يشهدون ولا يستشهدون، ويخونون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يفون، ويظهر فيهم السمن) وأثنى الله على الذين يوفون بالنذر في هذه الآية: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ} ، وفي قوله تعالى: {وَمَا أَنفَقْتُمْ مِنْ نَفَقَةٍ أَوْ نَذَرْتُمْ مِنْ نَذْرٍ فَإِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَارٍ} [البقرة:٢٧٠] .

فهذا نذر العوض أو المقابلة ونذر الابتداء، وكلاهما يدخل تحت الطاعة.

الثاني: نذر المعصية، كأن يقول القائل: لله عليّ أن أسرق، أو لله عليّ أن أفعل كذا وكذا من المحرمات، فهذا نذر معصية لا يوفى به.

النوع الثالث: الذي يتنزل منزلة اليمين، كأن تقول: لله عليّ لأفعلنَّ كذا وكذا، وتنزل هذا النذر منزلة اليمين فهذا كفارته كفارة يمين إذا لم توف به؛ لأنه خرج مخرج اليمين.

النوع الرابع: النذر المباح، كأن يقول الشخص: لله علي أن أطبخ كذا، أو آكل لحماً، أو أشرب شاياً، أو أي شيء من أمور النذر المباح، طبعاً الأحكام التفصيلة واسعة، تحتاج إلى محاضرة مختصرة.

الشاهد: أن أهل الإيمان إذا نذروا نذر طاعة يوفون به، {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:٧] والمستطير هنا العام، ومنه قول الرسول عليه الصلاة والسلام، (لا يمنعنكم من سحوركم أذان بلال، ولا هذا الفجر المستطير) فالفجر المستطير هو المستعرض بعرض السماء، وهو الذي يلمع، فالشر المستطير هو الشر العام، والفجر المستطير الفجر المنتشر عموما في السماء من ناحية الشروق.

واستدل بهذه الآية على أن الشر يغطي الجميع يوم القيامة، ثم بعد ذلك ينجّي الله الذين اتقوا.

قال الله سبحانه وتعالى: {يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا} هو يوم القيامة {كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا} [الإنسان:٧] .