للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[ذكر بعض أسباب نزول الآية وبيان ضعفها]

من العلماء من ذكر لهذه الآية أسباب نزولٍ، وإن كان في أكثرها ضعف: كالقول بأنها نزلت في أبي عبيدة بن الجراح عندما قتل أباه يوم بدر.

وقول آخر أنها نزلت في أبي بكر الصديق؛ وذلك حين تعرض لقتل ابنه عبد الرحمن في بدر أيضاً.

وقول ثالث: أنها نزلت في عمر وأنه قتل قريباً له.

وقول رابع: أنها نزلت في عمر أيضاً لما قال لرسول الله صلى الله عليه وسلم في أسارى بدر: (أرى أن تمكنني -يا رسول الله- من فلان قريب لي فأقتله، وتمكن علياً من عقيل، وتمكن حمزة من فلان، وتمكن أبا بكر من فلان، فهؤلاء صناديد الكفر، وأئمة الضلال) ، وثم أقوال أخر، لكن ما ذكر من سبب نزول الآية كلها ضعيفة، ولم أقف إلى الآن على سند صحيح يثبت لي أن أبا عبيدة بن الجراح قتل أباه يوم بدر، رضي الله عن أبي عبيدة، فهذا يحتاج إلى إثبات، وإن كان الأمر في الجملة على ما ذكره المفسرون من أن هذه الخصال توافرت في أهل الإيمان، ولو تعرض لهم آباؤهم لقتلوهم إذا أمرهم بذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم.

وثم أسباب نزول أخرى أيضاً فيها مقال منها: (أن عبد الله بن عبد الله بن أبي أتى إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم، والنبي صلى الله عليه وسلم يشرب فقال: يا رسول الله! أبق فضلة أسق منها أبي لعل الله ينفعه بها، فأبقى له فضلة فذهب بها إلى أبيه، فقال له أبوه المنافق رأس المنافقين: ما هذه الفضلة؟ قال: فضلة من رسول الله صلى الله عليه وسلم لعلك تشربها، فقال: لو أتيتني ببول أمك كان خيراً لي! ثم ردها، فرجع عبد الله إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم يستأذنه في قتل أبيه، فقال: بل استوص به خيراً) .

وهذا أيضاً ضعيف الإسناد لا يثبت.

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {لا تَجِدُ قَوْمًا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ يُوَادُّونَ مَنْ حَادَّ اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [المجادلة:٢٢] ، ومعنى حاد الله: أي: كان في حد وأوامر الله سبحانه في حد آخر، كما في قوله: {شَاقُّوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ} [الأنفال:١٣] ، أي: جعلوا أنفسهم في شق معادٍ لله ومعادٍ لرسول الله صلى الله عليه وسلم.

قال تعالى: {وَأَيَّدَهُمْ} [المجادلة:٢٢] أي: قواهم ونصرهم.

وقوله تعالى: {بِرُوحٍ مِنْهُ} [المجادلة:٢٢] ، ما المراد بروح منه؟ للعلماء فيها جملة أقوال: أحدها: أن المراد بقوله سبحانه: (بروح منه) أي: بنصر منه.

والثاني: أن المراد: (بروح منه) أي: بجبريل عليه السلام، فإن الله سبحانه وتعالى أطلق عليه الروح في عدة مواطن: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ} [النحل:١٠٢] ، {نَزَلَ بِهِ الرُّوحُ الأَمِينُ} [الشعراء:١٩٣] ، (اهجهم وجبريل معك) ، (اللهم! أيده بروح القدس) ، إلى غير ذلك.

{وَأَيَّدَهُمْ بِرُوحٍ مِنْهُ وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ} [المجادلة:٢٢] هذه الآية فيها دليل على أن الجنة مخلوقة الآن، وثم أدلة أخر تدل على ذلك، منها قوله عليه الصلاة والسلام: (يفسح له في قبره، ويأتيه من الجنة ومن طيبها) ، وثم دليل آخر: (احتجت الجنة والنار، فقالت الجنة: مالي لا يدخلني إلا ضعفاء الناس وسقطهم؟) الحديث إلى آخره، وفيه: (قال الله لها: أنت رحمتي أصيب بك من أشاء) ، ومن الأدلة على ذلك كذلك قوله عليه الصلاة والسلام: (أرواح الشهداء في جوف طير خضر تسرح في الجنة حيث تشاء) ، إلى غير ذلك من الأحاديث.

قوله تعالى: {وَيُدْخِلُهُمْ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ وَرَضُوا عَنْهُ} [المجادلة:٢٢] ، قوله: (رضي الله عنهم ورضوا عنه) ، من العلماء من قال: إن الله سبحانه وتعالى عوضهم خيراً بفراقهم لأهاليهم وعشيرتهم وذويهم، فلما تركوا قرابتهم لله سبحانه، أبدلهم الله خيراً من قرابتهم تفضلاً منه، وقد صح قول رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إنك لن تترك شيئاً اتقاء الله سبحانه إلا أبدلك الله خيراً منه) ، وهذا الذي يرويه الناس بالمعنى: (من ترك شيئاً لله عوضه الله خيراً منه) .

قال تعالى: {وَرَضُوا عَنْهُ أُوْلَئِكَ حِزْبُ اللَّهِ أَلا إِنَّ حِزْبَ اللَّهِ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} [المجادلة:٢٢] ، وفقنا الله وإياكم لما يحب ويرضى.