للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (كلا إن كتاب الأبرار.]

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ} [المطففين:١٨] أي: كتاب الأعمال الذي كتبت فيه أعمال الأبرار وهم المطيعون {لَفِي عِلِّيِّينَ} [المطففين:١٨] أي: موضوع في عليين، فعليون في السماء السابعة بنص حديث البراء (اكتبوا كتاب عبدي في عليين في السماء السابعة) ، كلا إن كتاب الأبرار كتاب مرقوم موضوع في عليين.

{كَلَّا إِنَّ كِتَابَ الأَبْرَارِ لَفِي عِلِّيِّينَ * وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ} [المطففين:١٨-١٩] يعني: فرق بين كتاب الفجار الموضوع في سجين في الأرض السفلى، وكتاب الأبرار الموضوع في عليين في السماء السابعة.

{وَمَا أَدْرَاكَ مَا عِلِّيُّونَ * كِتَابٌ مَرْقُومٌ} [المطففين:١٩-٢٠] أيضاً ليس (كتاب مرقوم) تفسير للعليين.

{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:٢١] وهنا لفتة طيبة ينبغي أن يقف عندها الشخص وهي: أن كتاب الأبرار الذي كتبت فيه أعمالهم موضوع في عليين في السماء السابعة ومن الذي ينظر إليه؟ المقربون الذين هم الملائكة، تخيل مثلاً لك ابن في الثانوية والولد نجح بتفوق أتى مائة بالمائة في الرياضيات وفي الإنجليزي خمسين من خمسين وفي الكيمياء خمسين من خمسين وفي اللغة العربية ستين من ستين وهكذا، أو لك بنت أتت تسعين في المائة أو خمسة وتسعين في المائة أو مائة في المائة ستأخذ شهادتها وأنت فرح مسرور وتتفرجها على الجرائد تعال انظر بنتي انظر ابني جاب كم وصدرك منشرح، والناس يرون الشهادة، بل وتعلقها على الجدار حتى ينظر إليها الداخلون.

فتخيل أين يوضع كتاب الأبرار؟ ليس في غرفة النوم يراه الداخل والخارج، إنما هو موضوع في عليين في السماء السابعة في الجنان، ومن الذي يراه؟ ومن الذي يُطلع عليه؟ الذي يطلع عليه هو الله سبحانه وتعالى، انظروا يا ملائكتي! كتاب عبدي، كتاب البر فلان بن فلان، انظروا ماذا كتب فيه؟ يبدأ المقربون يشهدون ما في الكتاب، يفتح صفحة صلوات مائة بالمائة، ذكر مائة بالمائة، كلام طيب مائة بالمائة، حج عمرة جهاد إنكار منكر شهود جنازات حفظ لسان صلة أرحام كلها درجات ممتازة.

فالمقربون هم الذين ينظرون إلى هذا الكتاب الحسن، وهم الذين يتداولونه فيما بينهم، ليس مقرب واحد ينظر إنما يباهي الله عز وجل بك الملائكة، انظروا إلى صلاة عبدي إلى صيام عبدي، هذا من ذرية الذي قلتم لي فيه: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:٣٠] هذا عبد من عبادي، وليس القول قولكم حينما قلتم: {أَتَجْعَلُ فِيهَا مَنْ يُفْسِدُ فِيهَا وَيَسْفِكُ الدِّمَاءَ} [البقرة:٣٠] لكن هناك من يسبح بحمدي ويذكرني ويشكرني ويصبر على بلائي وينفس عن المكروبين من عبادي، صفحات حسنة في غاية الحسن، وبيضاء في غاية البياض، لو علمت أنت يا عبد الله! أن الملائكة تطلع على صحيفتك، وتسر بالعمل الصالح الذي تفعله، وتستاء من العمل السيئ الذي يظهر فيها وتقول: يا ليته لم يفعل في هذه الصفحة كذا وكذا، صفحة الصلاة بيضاء يا ليته لم يشبها بكذا وكذا، صفحة صلة الأرحام بيضاء يا ليته لم يقطع قريبه فلاناً فقد ترك نكتة هنا سوداء يا ليتها تمحى، فهكذا إذا اعتقد الشخص هذا الاعتقاد الصحيح ضبط مسيرته واستحيا من ربه واستحيا من ملائكة الله عز وجل.

{يَشْهَدُهُ الْمُقَرَّبُونَ} [المطففين:٢١] طبعاً هم يستغفرون لك إذا وجدوا شيئاً مشيناً كما قال الله سبحانه: {الَّذِينَ يَحْمِلُونَ الْعَرْشَ وَمَنْ حَوْلَهُ يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ وَيُؤْمِنُونَ بِهِ وَيَسْتَغْفِرُونَ لِلَّذِينَ آمَنُوا رَبَّنَا وَسِعْتَ كُلَّ شَيْءٍ رَحْمَةً وَعِلْمًا فَاغْفِرْ لِلَّذِينَ تَابُوا وَاتَّبَعُوا سَبِيلَكَ وَقِهِمْ عَذَابَ الْجَحِيمِ * رَبَّنَا وَأَدْخِلْهُمْ جَنَّاتِ عَدْنٍ الَّتِي وَعَدْتَهُم وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ إِنَّكَ أَنْتَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * وَقِهِمُ السَّيِّئَاتِ} [غافر:٧-٩] هكذا الملائكة تدعو لك هذا الدعاء، أما إذا لم تكن من أولياء الله ولا من الأبرار بل كنت من الفجار فمن يدعو لك؟ تخيل من يدعو لك إذا كنت شقياً {وَأَتْبَعْنَاهُمْ فِي هَذِهِ الدُّنْيَا لَعْنَةً وَيَوْمَ الْقِيَامَةِ هُمْ مِنَ الْمَقْبُوحِينَ} [القصص:٤٢] حتى صاحبك الفاجر لم يدع لك بل يدعو عليك {كُلَّمَا دَخَلَتْ أُمَّةٌ لَعَنَتْ أُخْتَهَا} [الأعراف:٣٨] والعياذ بالله.