ورد في صحيح البخاري ومسلم من طريق علقمة قال: أتيت الشام في نفر من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه -أي: مع مجموعة من أصحاب عبد الله بن مسعود رضي الله عنه-، فالتقينا بـ أبي الدرداء، فقال أبو الدرداء: هل منكم من سمع عبد الله يقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ؟ قلنا: نعم، قد سمعناه يقرأ:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} .
قال: أيكم أقرأ؟! يعني: من منكم الأحفظ؟ فأشاروا إليَّ أي: إلى علقمة، قال أبو الدرداء: فاقرأ: {وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى} ، فقرأ فقال:{وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَى * وَالنَّهَارِ إِذَا تَجَلَّى}[الليل:١-٢]((والذَّكَرَ وَالأُنْثَى)) ، ولم يذكر كلمة (وَمَا خَلَقَ) ، فقرأها علقمة:(والذَّكَرَ وَالأُنْثَى) ، فقال أبو الدرداء: هكذا سمعتها من عبد الله؟ قال: نعم، هكذا سمعتها من عبد الله بن مسعود رضي الله عنه، قال: وأنا والله! لقد سمعتها من فيِّ رسول الله صلى الله عليه وسلم هكذا -أي: بدون ذكر كلمة: (وما خلق) -، ولكن هؤلاء يأبون عليَّ -أي: يمنعونني أن اقرأ بهذه القراءة-، وقد سمعت النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ بها، والحديث في صحيح البخاري وفي صحيح مسلم.
إلا أن علماء القراءات يقولون: هذه من القراءات الشاذة، فالقراءة المتواترة هي:(وَمَا خَلَقَ الذَّكَرَ وَالأُنْثَى) ، وهذا لا يثار في مجالس عموم الناس، إنما يثار في مجالس طلبة العلم، ولكن على كلٍ فقد قال أهل القراءات: إنها من القراءات الشاذة، أما أهل الحديث فيقولون: السند ثابت بها إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم في الصحيحين وفي غيرهما.
(وَمَا خَلَقَ) أي: والذي خلق الذكر والأنثى، (إِنَّ سَعْيَكُمْ) ، السعي المراد به: العمل، ومنه قوله تعالى:{وَمَنْ أَرَادَ الآخِرَةَ وَسَعَى لَهَا سَعْيَهَا وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَأُوْلَئِكَ كَانَ سَعْيُهُمْ مَشْكُورًا}[الإسراء:١٩] ، فالسعي المراد به هنا أيضاً: العمل، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ، أي: إن عملكم لمتنوع ومختلف، فمنكم من يعمل الصالحات، ومنكم من يعمل السيئات، منكم من يعمل عمل أهل السعادة، ومنكم من يعمل عمل أهل الشقاوة، (إِنَّ سَعْيَكُمْ لَشَتَّى) ، أي: إن عملكم لمختلف ومتنوع.