للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ليجزيهم الله أحسن ما عملوا.]

{لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:٣٨] اللام في قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ} [النور:٣٨] من العلماء من قال: إنها لام العاقبة، ولام العاقبة من أوضح الأمثلة لها قوله تعالى: {فَالْتَقَطَهُ آلُ فِرْعَوْنَ لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا} [القصص:٨] ، فآل فرعون لم يلتقطوا موسى ليكون لهم عدواً وحزناً، إنما التقطوه: {عَسَى أَنْ يَنفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَدًا} [يوسف:٢١] ، فكانت العاقبة أنه كان لهم عدواً وحزناً، فسميت اللام في قوله تعالى: ((لِيَكُونَ لَهُمْ عَدُوًّا وَحَزَنًا)) [القصص:٨] لام العاقبة.

فهنا قوله تعالى: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ} [النور:٣٨] أي: هم صلوا وآتوا الزكاة وذكروا الله في المساجد لتكون عاقبتهم {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:٣٨] يعني: يعطيهم الله سبحانه وتعالى على أفضل الأعمال التي عملوها.

وما المراد بقوله: {أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:٣٨] ؟ من العلماء من قال: إن المراد بأحسن ما عملوا: الحسنات، فالله يجازيهم بالحسنات ويكفر عنهم السيئات.

ومن أهل العلم من قال: إن الله سبحانه وتعالى يجازيهم على خير الأعمال التي عملوها، يجازيهم أحسن الجزاء أو يزن لهم الأعمال على أعلى درجات الأعمال التي عملوها.

والقول الأول أشهر عند المفسرين، فالمعنى عند جمهور المفسرين: {لِيَجْزِيَهُمُ اللَّهُ أَحْسَنَ مَا عَمِلُوا} [النور:٣٨] أي: ليجزيهم الله على الحسنات ويتجاوز لهم عن السيئات.

والمعنى الثاني حاصله: أنهم إذا كانوا عملوا أعمال برٍ على مراتب مختلفة، يرفع الله درجات أعمالهم إلى أعلى مستوى عملوه، والله أعلم.

وقوله تعالى: {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ} [النور:٣٨] هناك جزاء على الأعمال مع التجاوز عن السيئات، وهناك زيادة من فضل الله سبحانه وتعالى، كما قال جل ذكره: {لِلَّذِينَ أَحْسَنُوا الْحُسْنَى وَزِيَادَةٌ} [يونس:٢٦] ، فلهم مقابل إحسانهم الحسنى، ومع هذا المقابل لهم زيادة على الحسنى، ألا وهي كما قال جمهور المفسرين: النظر إلى وجه الله سبحانه وتعالى، فالعبد المؤمن يجازى على إحسانه حسنات، ويزيده الله سبحانه وتعالى من فضله زيادات، وهذه الزيادات تفضل من الله سبحانه وتعالى، وكرم منه عز وجل، يتفاوت هذا الفضل من شخص إلى آخر، فإن الله تبارك وتعالى قال: {وَاللَّهُ يُضَاعِفُ لِمَنْ يَشَاءُ} [البقرة:٢٦١] ، فالحسنة بعشر أمثالها، ولكن الله سبحانه يضاعف لمن يشاء إلى سبعمائة ضعف، بل إلى أكثر من ذلك.

قال سبحانه: {وَيَزِيدَهُمْ مِنْ فَضْلِهِ وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:٣٨] ، فقد يأتي رجل يوم القيامة مرتفعاً في الدرجات مع أن أعماله قليلة، فتقول: كيف وصل هذا إلى هذه الدرجة العليا؟ فهذا {فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ} [المائدة:٥٤] ، فالله يرزق من يشاء بغير حساب.

كان هذا مثلاً لأهل الإيمان ومطلعه قوله تعالى: {اللَّهُ نُورُ السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ مَثَلُ نُورِهِ} [النور:٣٥] أي: في قلب المؤمن على ما تقدم، فهذا الصنف انتهى ما جاء فيه إلى هذه الآية: {وَاللَّهُ يَرْزُقُ مَنْ يَشَاءُ بِغَيْرِ حِسَابٍ} [النور:٣٨] ، وهم أهل الإيمان.