للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[أمر الله تعالى لنبيه بقراءة سورة البينة على أبي بن كعب]

سورة البينة أطلق عليها: (سورة لم يكن) ؛ لأنها تبتدئ بـ: (لم يكن) ، كسورة النبأ فقد أطلق عليها: (سورة عم) ؛ لأنها تبتدئ بـ: (عمَّ) ، والملك أطلق عليها: (تبارك) ؛ لأنها بدأت بـ: (تبارك) .

وسورة البينة لها فضيلة كباقي السور، إلا أن لصحابي فضيلة عظمى بسببها، أما الصحابي فهو سيد من سادات الأنصار، وأعلم الصحابة بالقراءات، كما قال فيه عمر: (أقرؤنا أُبيّ) أي: أعلمنا بالقراءات أبي بن كعب.

قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ أبي بن كعب: (يا أُبيّ! إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة -وفي رواية: لم يكن الذين كفروا- فتعجب أُبيّ! -الرسول يقرأ عليه سورة البينة- وقال: يا رسول الله أوسماني لك يا رسول الله؟! -يعني: هل ربنا قال لك: اقرأ على أبي بن كعب بالاسم- قال: نعم سمّاك لي، فبكى أُبيّ) ، وهذه منقبة عظمى، فرب العزة يسمي أبي بن كعب ويقول: يا محمد! اقرأ سورة (لم يكن) على أبي بن كعب، وهي منقبة تجعل أي شخص يبكي من الفرح، فبكى أبي بن كعب رضي الله عنه.

وفي الحديث: قراءة الفاضل على المفضول، والفاضل هو الرسول، والمفضول هو أبي بن كعب؛ حتى يتواضع المسلمون في مسائل العلم، فالعلم لا يناله مستكبر ولا مستحىٍ، ولذلك ذكر الله لنا في كتابه أمثلةً لذلك، منها: قصة موسى عليه السلام مع الخضر، فمع أن موسى عليه الصلاة والسلام من أولي العزم من الرسل لكنه يأتي بكل أدب إلى الخضر ويقول: {هَلْ أَتَّبِعُكَ عَلَى أَنْ تُعَلِّمَنِ مِمَّا عُلِّمْتَ رُشْدًا} [الكهف:٦٦] ، وهو نبي من أولي العزم يذهب إلى الخضر، بل ويسافر إليه طلباً للعلم، فمسألة العلم ليس فيها كبر، ولا ينال العلم مستكبر ولا مستحي، كما قال قائل السلف، وقد كان السلف يفرون من القضاء لا كالخلف الموجودين الآن الذين يتقاتلون على القضاء، وهو قضاء بغير ما أنزل الله، أما السلف فكانوا حتى القضاء بما أنزل الله يفرون منه، للضغوط التي يواجهونها فيه، إلا من ثبته الله، يقولون: من عيوب القضاء: أن القاضي إذا عزل لا يجلس للعلم.

أي: أن القاضي يكون طالب علم قبل أن يتولى القضاء، ويحرص على أن يبحث في المسائل ويحرر وينقح، ويناقش العلماء، ويجلس متواضعاً، أما إذا أصبح قاضياً وجلس يقضي بين الناس، ثم عزل فإنه يستكبر أن يجلس مرةً ثانية في مجالس العلم، ويقول: أنا قاضي ثم أجلس أتعلم ممن؟! فيظن أنه قد حاز العلم بحذافيره، فيحصل له التردي بسبب بعده عن مجالس العلم.

ففي قوله: (إن الله أمرني أن أقرأ عليك سورة البينة) منقبة لـ أُبيّ، وفيها قراءة الفاضل على المفضول؛ حتى يتعلم الناس التواضع في هذا الباب.