[تفسير قوله تعالى:(وفي أموالهم حق للسائل والمحروم)]
قال تعالى:{وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ}[الذاريات:١٩] .
هل هذا الحق هو الزكاة المفروضة، أو غير الزكاة المفروضة؟ هناك قرينتان في الآيات: قرينة توضح أنها الزكاة المفروضة، وقرينة توضح أنها ليست الزكاة المفروضة، بل هو مال آخر غير الزكاة، فمن قوله تعالى:{إِنَّهُمْ كَانُوا قَبْلَ ذَلِكَ مُحْسِنِينَ}[الذاريات:١٦] ، يؤخذ أن فعل الإحسان يقتضي أن يزيد المحسن على الفرض شيئاً ليس مفروضاً عليه، فهذا يقوي قول من قال:{وفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ}[المعارج:٢٤] ، إنهم جعلوا على أنفسهم في أموالهم حقاً معلوماً، فاقتطعوا جزءاً من أموالهم لم يوجبه الله سبحانه وتعالى عليهم، وجعلوه لأهل الفقر، ولأهل المسكنة، وللمحرومين والسائلين.
فهذه القرينة التي هي:((إنهم كانوا قبل ذلك محسنين)) حملت بعض المفسرين على أن يقولوا: إن الحق المعلوم هنا حق آخر سوى الزكوات المفروضة، شأنهم شأن ذلك الرجل الذي ورد ذكره في الحديث الذي جاء فيه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(بينما رجل يتماشى في الصحراء أو في البرية إذا رأى سحابة من فوقه وسمع فيها صوتاً، وإذا بهذا الصوت يقول للسحابة: اسقي أرض فلان، فتعجب لهذا الصوت وتبع السحابة فوجدها قد جاءت وأسقطت كل مائها في أرض من الأراضي، وإذا برجل قائم في أرضه يحول الماء بمسحاته، فسأله عن اسمه فقال: اسمي فلان -للذي سمع اسمه في السحابة- فقال: أخبرني ماذا تصنع فإني سمعت في السحابة صوتاً يقول: اسقي أرض فلان لأرضك، قال: أما وقد سمعت، فإني أعمد إلى ما يخرج من الأرض فأجزئه أثلاثاً: جزء أرده إلى الأرض، وجزء أقتات به أنا وأهل بيتي، والجزء الآخر أخرجه للفقراء والمساكين) .
فقد جعل هذا الرجل على نفسه حقاً معلوماً لم يوجبه الله سبحانه وتعالى عليه، وإنما كان الواجب عليه الزكاة.
أما الوجهة التي قوى بها العلماء الرأي القائل بأن هذا الحق هو الزكاة المفروضة، فهو كلمة (معلوم) أي: حق محدد، حدد بأنصبة الزكوات.
فالله سبحانه أعلم، لكن على كل فأهل الإحسان فيهم الصفتان، فإنهم يؤدون الواجب ويزيدون عليه بغيره، فإذا فعل العبد هذا الأمر استحق أن يكون من أهل الإحسان.