تفسير قوله تعالى:(فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ.)
قال تعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ}[النساء:١٥٥] : دلت الآية على أن بني إسرائيل أو اليهود نقضوا ميثاقهم مع الأنبياء ومع الله سبحانه وتعالى، وقد حدث أن نقضوا عهوداً ومواثيق مع رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، فهم لا يرقبون في مؤمن إلّاً ولا ذمة، ولا يوفون بعهد ولا لهم ميثاق، فقد غدروا بأنبيائهم عليهم الصلاة والسلام وخانوهم وقتلوهم، ولكن من يفقه ومن يعقل! قال الله سبحانه وتعالى:{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ وَكُفْرِهِمْ بِآيَاتِ اللَّهِ وَقَتْلِهِمُ الأَنْبِيَاءَ بِغَيْرِ حَقٍّ}[النساء:١٥٥] والتقييد: (بغير حق) خرج مخرج الغالب، فالأنبياء لا يفعلون شيئاً حتى يقتلوا به، أو حتى لا يقال: مخرج الغالب، يقال: من باب تبشيع الجرم، لأنهم قتلوا الأنبياء مع أن الأنبياء لم يفعلوا شيئاً يقتلون به.
قال تعالى:{وَقَوْلِهِمْ قُلُوبُنَا غُلْفٌ}[النساء:١٥٥] .
للعلماء في معناه قولان: أحدها: أن قلوبنا ممتلئة علماً لا تحتاج إلى علم من علمك، فهي أوعية للعلم.
وثانيها: أنهم يريدون أن قلوبهم طمست فلا يصل إليها الخير.
والقول الأول تداوله كثير من أهل التفسير: أعني أن مرادهم بقولهم: (قلوبنا غلف) أنها أوعية للعلم فلا يصل إليها شيء من علمك يا محمد، أو لسنا في حاجة إلى علمك، كما قال تعالى:{فَلَمَّا جَاءَتْهُمْ رُسُلُهُمْ بِالْبَيِّنَاتِ فَرِحُوا بِمَا عِنْدَهُمْ مِنَ الْعِلْمِ وَحَاقَ بِهِمْ مَا كَانُوا بِهِ يَسْتَهْزِئُون}[غافر:٨٣]{فَلَمْ يَكُ يَنْفَعُهُمْ إِيمَانُهُمْ لَمَّا رَأَوْا بَأْسَنَا}[غافر:٨٥] .
قال تعالى:{بَلْ طَبَعَ اللَّهُ عَلَيْهَا بِكُفْرِهِمْ}[النساء:١٥٥] أي: هي ليست بمغلقة لأنها امتلأت علماً، بل مغلقة لأن الله طبع عليها وختم عليها فلا يصل إليها شيء من الخير بسبب كفرهم.
فإذا قلتم يا يهود: إن قلوبكم غلف، أي: أوعية قد امتلأت علماً فلا يدخل إليها شيء من الذي تأتي به يا محمد.
ف
الجواب
أن قلوبكم تغلفت، لكن ليس لأنها امتلأت علماً، بل لأن الله هو الذي طبع عليها بسبب كفركم {فَلا يُؤْمِنُونَ إِلَّا قَلِيلًا}[النساء:١٥٥] .