للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (ولا تهنوا في ابتغاء القوم)]

قال تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ} [النساء:١٠٤] (لا تهنوا) أي: لا تضعفوا.

(فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ) أي: في طلب الأعداء وقتلهم وجهادهم.

و (القوم) : المراد بهم الكفار، وقد تقدم أن الإطلاق العام قد يأتي ويراد به الخصوص.

وأحياناً يأتي الاصطلاح العام ويراد به عدة أصناف: {الَّذِينَ قَالَ لَهُمُ النَّاسُ إِنَّ النَّاسَ} [آل عمران:١٧٣] فالقائلون أناس، والمقول لهم أناس، والذين جمعوا لهم أناس.

وقوله: {إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:١٠٤] هذه الآية من التسلية للمؤمنين، يسلي الله عباده المؤمنين، فإن كنت تتألم أيها المؤمن فغيرك أيضاً من الكفار يتألم، ونحوها: كقوله تعالى لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُوْلُوا الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ} [الأحقاف:٣٥] .

ونحوها: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ فاطمة: (يا بنية، إنه قد حل بأبيك ما ليس الله بتارك منه أحداً من الناس) أي: الموت.

فقوله تعالى: {وَلا تَهِنُوا فِي ابْتِغَاءِ الْقَوْمِ إِنْ تَكُونُوا تَأْلَمُونَ فَإِنَّهُمْ يَأْلَمُونَ كَمَا تَأْلَمُونَ} [النساء:١٠٤] هذا تسلية لأهل الإيمان، إن كنت تجرح في القتال فالكافر يجرح، وإن كنت تقتل فهو يقتل، وإن كنت تجمع المال والديون كي تجهز العدة فكذلك الكافر، وإن كنت تبيت قلقاً فهو يبيت قلقاً، وأنت ترجو من الله ما لا يرجو، فإذا تساويتما في هذه، فأنت أضفت طلباً من الله والكافر لا يطلبه، أضفت أنك تطلب الجنة والكافر لا يطلب ذلك.

فجدير بك أن يكون صبرك أعظم من صبر هذا الكافر؛ لأن لك طلباً وهو ليس له طلب، فلتصبر أنت أكثر من صبره.

قال: {وَتَرْجُونَ مِنَ اللَّهِ مَا لا يَرْجُونَ وَكَانَ اللَّهُ عَلِيمًا حَكِيمًا} [النساء:١٠٤] وفقنا الله وإياكم لما يحبه ويرضاه، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.