للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم إمامة الصبي في الصلاة]

السؤال

قال لي زميل في العمل: كيف أن صبياً صغيراً مثل فلان يؤم الناس في صلاة الجمعة، وهناك من المأمومين من هو أكبر منه وأعلم منه وأفقه منه، فقلت له: إن الإمامة من شروطها: أحفظكم لكتاب الله، وقد جعل رسول الله صلى الله عليه وسلم صبياً إماماً لقومه؛ لأنه أحفظ لكتاب الله، فما سند هذا الحديث وما تخريجه وهل هو صحيح؟

الجواب

الحديث ثابت أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يؤمكم أقرؤكم؟ قال عمرو بن سلمة: فكنت أنا أصغر القوم فأممتهم في الصلاة لكثرة ما كنت آخذه من المسافرين والمارة من القرآن) ، وكان عمره آنذاك ست سنين، لكن هل أمره الرسول صلى الله عليه وسلم أن يصلي؟ لم يأمر الرسول صلى الله عليه وسلم عمرو بن سلمة أن يصلي بالناس، إنما قال الرسول: (يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله) ، فهم الذين اختاروا الأقرأ فكان هو الأقرأ مع صغره.

وهذه المسألة انبنى عليها خلاف فقهي طويل: فمن الفقهاء من يمنع غير البالغ من إمامة الناس إذا كان فيهم من هو بالغ ومتقن للإمامة، وإذا احتججنا عليه بهذا الحديث يقول: ما أدراكم أن الرسول عليه الصلاة والسلام علم أن عمرو بن سلمة كان يؤم القوم في الصلاة وأن الرسول عليه الصلاة والسلام أمره بذلك أو علم به؟ فاستدل عليه الجمهور بأن جابراً قال: (كنا نعزل والقرآن ينزل) أي: لو كان العزل حراماً لنزل فيه قرآن، فمن أجوبة الجمهور قولهم: وكذلك لو كانت إمامة عمرو ليست بجائزة لنزل على رسول الله صلى الله عليه وسلم قرآن يبين عدم جوازها، فالمسألة مسألة أخذ ورد.

فالذين قالوا بعدم الإمامة قالوا: إن الخطاب في قوله عليه الصلاة والسلام: (يؤم القوم أقرؤهم) موجه للبالغين كسائر أنواع الخطاب، لكن بعض الصحابة فهم أنه عام، لكن في الشرع الخطاب موجه للبالغين، قإذا قلنا: يؤم القوم أقرؤهم لكتاب الله، والصبي هذا ليس بمكلف من حيث الأصل، فإن له أن يصلي بالناس وينصرف ويتركهم قبل إتمام الصلاة، هذه وجهة نظر الذين قالوا بعدم إمامة الصبي، وهم الحنابلة، وطائفة من أهل الظاهر كذلك.

فأجابوا على حديث عمرو بن سلمة بأمرين: أحدهما: ما أدرانا أن الرسول علم ذلك وأقره؟ ثانيهما: أن الخطاب في الشرع موجه للبالغين.

أما المجوزون وهم الجمهور، فاستدلوا بعموم الحديث وقالوا: إن عمرو بن سلمة أمّ قومه والرسول عليه الصلاة والسلام أقره، لعدم وجود نهي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، ولو كان ذلك حراماً لنزل فيه قرآن.

فالمسألة فيها وجهتان لأهل العلم، أما الحديث فهو ثابت كما هو معلوم، والله سبحانه أعلم.