للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حكم دخول الحائض إلى المسجد]

مسألة أخرى: دخول الحائض المسجد، هل يستدل بالآية نفسها على منع دخول الحائض المسجد؟ قد يقول قائل: إن الجنب كالحائض فكما أنكم منعتم الجنب فامنعوا الحائض من دخول المسجد لهذه الآية، وهذا الرأي فيه نظر من وجوه: أولها: الآية فيها نزاع: هل المراد بالصلاة: مواطنها أو هي نفسها؟ ثانياً: في قياس الحائض على الجنب نزاع، لأن الجنب أمره بيده، من الممكن أن يذهب ويزيل هذه الجنابة بالاغتسال أو بالتيمم، أما الحائض فليست كذلك، بل لا بد أن تنتهي حيضتها.

فإن قال قائل: ما العلة من منع الجنب من الاقتراب من المسجد؟ فنقول: حتى يبادر إلى الاغتسال والطهارة، وهذه العلة لا تتوافر في مسألة الحائض؛ لأن الحائض تسرع أو لا تسرع فليس لها من أمرها شيء، كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (إن حيضتك ليست في يدك) .

ومسألة دخول الحائض المسجد فيها رأيان للعلماء: فالجمهور رأوا أن الحائض لا تدخل المسجد، ومن أهل العلم من رأى أن الحائض تدخل المسجد، فلما دب النزاع لزم البحث عن الدليل، فلما جئنا إلى الأدلة وجدناها ليست صريحة في الباب، فبقينا على البراءة الأصلية، وها هي أدلة القولين: أما القائلون بأن الحائض تمنع من دخول المسجد فمن أدلتهم ما يلي: أولاً: القياس على الجنب، وتأويل الصلاة بمواطن الصلاة في الآية.

ثانياً: قول أم عطية كما في الصحيحين: (أمرنا أن نخرج الحيض والعواتق وذوات الخدور لصلاة العيد، فقلن: يا رسول الله! والحيض؟ قال: يعتزل الحيض المصلى) فقوله صلى الله عليه وسلم: (يعتزل الحيض المصلى) استدل به على أن الحائض لا تقرب المسجد، واعترض على هذا بأن النبي عليه الصلاة والسلام كان يصلي العيد في الفضاء وليس في المسجد، فأريد بالمصلى الصلاة؛ لأنه لا يحرم على الحائض أرض الفضاء.

ثالثاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة: (ناوليني الخمرة -الخمرة: شيء يصلى عليه كالسجادة في زماننا- قالت: إني حائض يا رسول الله! قال: إن حيضتك ليست في يدك) قالوا: هي ستمد يدها، والحيضة إنما هي في الفرج وليست في اليد، فهذا فيه منع للحائض من دخول المسجد.

والمعترضون استدلوا بالدليل نفسه على الجواز، فقالوا: إن معنى قوله: (إن حيضتك ليست في يدك) أي: إنما هي بيد الله فادخلي.

رابعاً: قول النبي صلى الله عليه وسلم لـ عائشة لما حاضت: (افعلي ما يفعل الحاج غير ألا تطوفي بالبيت) ، قالوا: إن قوله: (ألّا تطوفي بالبيت) يعني: لا تقربي المسجد بصفة عامة، وقال الآخرون: بل المعنى: ادخلي ولكن لا تطوفي؛ لأن الطواف كالصلاة.

هذه أوجه الاستدلال للعلماء في هذا الباب، وثم أوجه أخرى متكلم فيها.

فالمسألة مسألة نزاع بين أهل العلم، فإن قال قائل: ليس معي دليل صريح صحيح في المنع، فله وجه قوي، والبراءة الأصلية تؤيده، أي: أن الأصل عدم المنع، والذي يمنع عليه أن يأتي بالدليل الصحيح الصريح، فإذا لم يوجد دليل صحيح صريح بقينا على البراءة الأصلية؛ ما دام تلويث المسجد قد أمن، فالمرأة تتحفظ ولا تجعل شيئاً منها يلوث المسجد، والله أعلم.

قال الله: {لا تَقْرَبُوا الصَّلاةَ وَأَنْتُمْ سُكَارَى حَتَّى تَعْلَمُوا مَا تَقُولُونَ وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:٤٣] (إلا) بمعنى: (لكن) مثل قوله تعالى: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ الأُولَى} [الدخان:٥٦] أي: لكن الموتة التي قد ماتوها، فـ (إلا) تأتي بمعنى (لكن) : {وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ} [النساء:٤٣] أي: للمرور فقط، {حَتَّى تَغْتَسِلُوا} [النساء:٤٣] .

السؤال

المؤمن يكون جنباً، وليس في المسجد شخص آخر ويريد المؤمن أن يؤذن؟

الجواب

سئل عطاء أو غيره من التابعين عن ذلك، فقال: الوضوء حق وسنة، لكن هل هو واجب؟ ويمتنع المؤذن بسببه؟ لا يمتنع بسببه، لحديث أم المؤمنين عائشة رضي الله عنها: (كان النبي صلى الله عليه وسلم يذكر الله على كل أحيانه) ، لكن يكره له ذلك لحديث رسول الله صلى الله عليه وسلم الذي رواه البخاري من حديث أبي جهيم الأنصاري: (إني كرهت أن أذكر الله على غير طهارة) لكن لو دخل المؤذن المسجد وهو جنب، وليس في المسجد من يؤذن، فيجوز له أن يؤذن.