تفسير قوله تعالى: (هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إبراهيم.)
باسم الله، والحمد لله، والصلاة والسلام على رسول الله.
وبعد: فيقول الله سبحانه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ * فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ * فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلا تَأْكُلُونَ * فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلامٍ عَلِيمٍ} [الذاريات:٢٤-٢٨] .
يستخرج العلماء من هذه الآيات كثيراً من آداب الضيافة، وكذلك عند تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ جَاءَتْ رُسُلُنَا إِبْرَاهِيمَ بِالْبُشْرَى قَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ * فَلَمَّا رَأَى أَيْدِيَهُمْ لا تَصِلُ إِلَيْهِ نَكِرَهُمْ وَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لا تَخَفْ إِنَّا أُرْسِلْنَا إِلَى قَوْمِ لُوطٍ} [هود:٦٩-٧٠] .
فيتعرض المفسرون عند هذه الآيات لآداب الضيافة ولأحكامها.
يقول الله سبحانه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ} [الذاريات:٢٤] ، من العلماء من قال: إن (هل) هنا بمعنى: قد، ومنهم من قال: إن (هل) على بابها وأشير بها للتنبيه، فعلى الأول: (قد) أتاك حديث ضيف إبراهيم المكرمين، ومن هم ضيف إبراهيم عليه السلام؟ هم الملائكة الذين تمثلوا له في صورة بشر أثناء ذهابهم إلى مدائن قوم لوط لتدميرها ولإنزال العذاب عليها، فمروا مسلّمين عليه ومخبرين له بما سيحدث لهذه القرى من عذاب، كما قال سبحانه: {فَلَمَّا ذَهَبَ عَنْ إِبْرَاهِيمَ الرَّوْعُ وَجَاءَتْهُ الْبُشْرَى يُجَادِلُنَا فِي قَوْمِ لُوطٍ} [هود:٧٤] ، فلما علم إبراهيم صلى الله عليه وسلم ما سيحدث، بدأ يجادل أو يدافع عن قومه أو يطلب التمهل في إنزال العقوبات على قوم لوط على ما سيأتي بيانه إن شاء الله.
الشاهد: إن الملائكة تصورت في صورة رجال، وتصور الملائكة في صورة رجال وارد في جملة آيات وأحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيجوز أن تأتي الملائكة في صورة البشر، قال الله سبحانه وتعالى في شأن مريم: {فَأَرْسَلْنَا إِلَيْهَا رُوحَنَا فَتَمَثَّلَ لَهَا بَشَرًا سَوِيًّا} [مريم:١٧] ، وكذلك هنا الملائكة تشكلت في صورة بشر، ولما ذهبوا إلى لوط أيضاً تشكلوا له في صورة بشر.
وقال عمر رضي الله عنه: (بينما نحن جلوس عند رسول الله صلى الله عليه وسلم، إذ طلع علينا رجل شديد بياض الثياب شديد سواد الشعر، لا يرى عليه أثر السفر، ولا يعرفه منا أحد) ، وفي آخر الحديث قال النبي صلى الله عليه وسلم: (هذا جبريل أتاكم يعلمكم دينكم) .
وكذلك كان جبريل يتمثل للرسول صلى الله عليه وسلم بصورة دحية الكلبي، وكذلك الثلاثة نفر: الأقرع والأبرص والأعمى، الذين ابتلاهم الله سبحانه وتعالى، فتمثل لهم الملك في صورة رجل ليبتليهم، وقد تمثلت بعض الملائكة في صورة بشر في بعض مغازي رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأصل تشكل الملائكة في صورة البشر وارد وجائز كما في هذه النصوص.
يقول الله سبحانه: {هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ * إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلامًا قَالَ سَلامٌ قَوْمٌ مُنكَرُونَ} [الذاريات:٢٤-٢٥] ، أي: أنكم بالنسبة لنا مجهولون لا نعرفكم.
وبالنسبة لسؤال الشخص للداخلين عليه -من أنتم؟ ومن أي البلاد- له أدلته في سنة الرسول صلى الله عليه وسلم، كما في حديث وفد عبد القيس لما جاءوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم، فقال لهم: (من القوم أو من الوفد؟ قالوا: وفد عبد القيس يا رسول الله، قال: مرحباً بالقوم أو بالوفد) ، (ولما جاءت أم هانئ تسلم على رسول الله صلى الله عليه وسلم، قال: من هذه؟ قالت: أم هانئ يا رسول الله، قال: مرحباً بأم هانئ) ، ولما ذهبت زينب امرأة عبد الله بن مسعود إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم تستفتيه في بعض المسائل وأرسلت بلالاً وقالت له: قل له: إن ابن مسعود يزعم أنه أحق من تصدقت عليه، فسأل النبي صلى الله عليه وسلم: (من هذه؟ قال بلال: زينب، قال: أي الزيانب هي؟) .
إذاً: يجوز السؤال عن الشخص القادم أو عن الشخص المستخبر، ولا مطعن في هذا ولا لوم على السائل.