{وَيَطُوفُ عَلَيْهِمْ وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ}[الإنسان:١٩] ، المخلدون: الذين لا يشيبون ولا يكبرون، بل أعمارهم ثابتة لا تزيد ولا تنقص، وأجساهم ثابتة لا يعتريها التغيّر إلى الأسوأ، وإن كان ثمّ تغير فهو إلى الأفضل والأحسن والأكمل، فهم {وِلْدَانٌ مُخَلَّدُونَ إِذَا رَأَيْتَهُمْ} من حسنهم، {حَسِبْتَهُمْ لُؤْلُؤًا مَنثُورًا}[الإنسان:١٩] فمن كثرتهم كأنهم لؤلؤ منثور، أي: لؤلؤ منتشر كثير.
{وَإِذَا رَأَيْتَ ثَمَّ رَأَيْتَ}[الإنسان:٢٠] إذا رأيت ثمّ، أي: إذا رأيت هناك وأمعنت النظر ورميت ببصرك إلى بعيد، {رَأَيْتَ نَعِيمًا وَمُلْكًا كَبِيرًا}[الإنسان:٢٠] أي: رأيت ممالك عظيمة، فإذا نظرت ببصرك إلى هنا وهناك رأيت العظمة ورأيت الملك، وكما قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (إن أدنى أهل الجنة منزلة من يقال له: تمن، فيتمنى، ثم يقال له: تمن، فيتمنى، حتى إذا انقطعت به الأماني، فيذكره ربه أيضاً: تمن كذا، حتى يتمنى مثل مُلك مَلِكٍ من ملوك الدنيا الحديث، وفي آخره يقول الله له: لك مثل ذلك وعشرة أمثاله) أو كما قال عليه الصلاة والسلام، فهذا أدنى أهل الجنة منزلة.
{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ}[الإنسان:٢١] في الآية فضل الثياب الخضر، فالثياب منها ثياب محبوبة في ألوانها، ومنها ثياب أيضاً تكاد تذم في بعض المواطن ولبعض الأشخاص، فهناك مثلاً قوله تعالى:{إِنَّهَا بَقَرَةٌ صَفْرَاءُ فَاقِعٌ لَوْنُهَا تَسُرُّ النَّاظِرِينَ}[البقرة:٦٩] وهنا {ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ} .
وأيضاً، في هذا الباب كان أحب الثياب إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم البياض، وكان عليه الصلاة والسلام يقول:(البسوها وكفنوا فيها موتاكم) أو كما قال عليه الصلاة والسلام.
أما بالنسبة للنساء فالثوب الأسود لهن أفضل؛ لأن نساء الصحابة كن يخرجن إلى صلاة الفجر، أو لما نزلت آية الحجاب خرجن وكأن على رءوسهن الغربان من السواد، لكن لو لبست المرأة ثوباً آخر ليس فيه فتنة، فلا بأس به؛ قد ثبت أن أم المؤمنين عائشة طافت بثوب مورد، أي: بثوب وردي، وليس المعنى أن الثوب فاتن، إنما الشاهد أنه ليس بأسود، ما لم يكن الثوب ثوب شهرة والله تعالى أعلم.
{عَالِيَهُمْ ثِيَابُ سُندُسٍ خُضْرٌ وَإِسْتَبْرَقٌ وَحُلُّوا أَسَاوِرَ مِنْ فِضَّةٍ} إذ هم أصحاب اليمين، أما المقربون {يُحَلَّوْنَ فِيهَا مِنْ أَسَاوِرَ مِنْ ذَهَبٍ وَلُؤْلُؤًا وَلِبَاسُهُمْ فِيهَا حَرِيرٌ}[الحج:٢٣] .
{إِنَّ هَذَا كَانَ لَكُمْ جَزَاءً}[الإنسان:٢٢] أي: على أعمالكم في الدنيا، {وَكَانَ سَعْيُكُمْ مَشْكُورًا}[الإنسان:٢٢] أي: شَكَرَه ورضيه لكم سبحانه وتعالى.