للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإن خفتم ألا تقسطوا في اليتامى.]

قال تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ فَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تَعْدِلُوا فَوَاحِدَةً أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ ذَلِكَ أَدْنَى أَلَّا تَعُولُوا} [النساء:٣] .

قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} أقسط أي: عدل، وقسط: جار وظلم، فمن الأول قول النبي صلى الله وعليه وسلم: (المقسطون على منابر من نور يوم القيامة الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا) ، ومن الثاني قوله تعالى: {وَأَمَّا الْقَاسِطُونَ فَكَانُوا لِجَهَنَّمَ حَطَبًا} [الجن:١٥] .

فقوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا} أي: ألا تعدلوا في مهور وصداق اليتامى، فالنساء سواهن كثير.

والذي دل على المحذوف المقدر هو سبب النزول، فقد سأل عروة عائشة رضي الله عنها عن هذه الآية: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} فورد عنها في ذلك روايتان: الرواية الأولى: (كانت اليتيمة تكون عند وليها، فتكون ذات مال وجمال، فيريد أن يتزوجها من أجل مالها وجمالها، ولا يريد أن يقسط لها في الصداق، أي: أن يعدل لها في الصداق، فأمرهم الله حين رغبوا في مالها وجمالها أن يتزوجوها، أن يقسطوا لها في الصداق، أو يتزوجوا نساء أخريات.

الرواية الأخرى: أن هذه يتيمة تكون في حجر وليها ليس له فيها حاجة -أي: لا يرغب أن يتزوجها- ولا يريد أن يزوجها لناس آخرين خشية أن يأخذوا الميراث، فيتزوجها كرهاً من أجل حبس ميراثها، ولا يقسط لها في الصداق، فنهوا أن يتزوجوهن إلا عند العدل في الصداق.

وفي قوله تعالى: {وَإِنْ خِفْتُمْ أَلَّا تُقْسِطُوا فِي الْيَتَامَى} دليل على جواز تزويج الصغيرة؛ لأن اليتيمة هي الصغيرة، فدل ذلك على بطلان القانون الوضعي الذي يمنع الزواج بالصغيرة، ولكن لا يُمكّن منها إلا بعد أن تتحمل الوطء، فالرسول صلى الله عليه وسلم تزوج عائشة رضي الله تعالى عنها وهي بنت ست، وبنى بها عليه الصلاة والسلام وهي بنت تسع، فدل ذلك على أنه يجوز تزويج اليتيمة، واليتيمة هي التي لم تبلغ.

والقسط في مهر اليتيمة مبني على الأعراف السائدة بين الناس، فإذا كانت الواحدة من النساء تتزوج بخمسة آلاف جنيه، فاليتيمة أيضاً تتزوج بخمسة آلاف جنيه، وتبلغ أعلى سنتها في الصداق، كما قالت عائشة رضي الله تعالى عنها: (اجعلها أعلى سنتها في الصداق) وفي الآية دليل على مشروعية مهر المثل، ومن الأدلة على ذلك: (أن النبي عليه الصلاة والسلام قضى في بروع بنت واشق وكان زوجها مات ولم يسم لها صداقاً أن لها مهر مثلها، من غير وكس ولا شطط) فقوله صلى الله عليه وسلم: (من غير وكس) أي: من غير بخس (ولا شطط) : أي: ولا غلو، فأصبح الدليلان يدلان على مشروعية مهر المثل.