قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور:٢١] أفادت هذه الآية شيئاً وهو: أن الشخص قد يستفيد بكسب غيره أحياناً.
قال تعالى:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ}[الطور:٢١] أي: إذا كان الأب صالحاً وبلغ درجة عالية في الجنة، وابنه مؤمناً، ولكن هذا الابن قصر ولم يبلغ منزلة أبيه في الجنة، فإكراماً من الله سبحانه وتعالى للآباء، وتفضلاً منه سبحانه وتعالى على الأبناء، يلحق الأبناء بالآباء، ولا يلت الآباء من أجورهم شيئاً، أي: ولا ينقص الآباء من أجرهم شيئاً، {وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ}[الطور:٢١] ، أي: للدرجات العُلى، فأفادت الآية ما أفادته غيرها أن الابن ينتفع بصلاح الأب، فقد قال الله سبحانه وتعالى:{وَأَمَّا الْجِدَارُ فَكَانَ لِغُلامَيْنِ يَتِيمَيْنِ فِي الْمَدِينَةِ وَكَانَ تَحْتَهُ كَنزٌ لَهُمَا وَكَانَ أَبُوهُمَا صَالِحًا}[الكهف:٨٢] ، فالابن الصالح ينتفع بسعي أبيه، وكذلك الأب ينتفع بسعي ولده كذلك.
قال النبي صلى الله عليه وسلم:(إذا مات ابن آدم انقطع عمله إلا من ثلاث ومنها: ولد صالح يدعو له) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم فيما حسنه بعض أهل العلم:(إن الرجل ترفع درجته يوم القيامة، فيقول: يا رب! أنى لي هذا؟ فيقال: باستغفار ولدك لك) ، وحديث:(يقول الله يوم القيامة لملائكته: أدخلوا هؤلاء الصغار الجنة، فيمتنع الصغار عن دخول الجنة، فيقول الله سبحانه: ما لي أراهم واقفين -أي: ممتنعين مترددين- فيقولون: يا ربنا! لا ندخلها حتى يدخلها آباؤنا وتدخلها أمهاتنا، فيقول الله سبحانه: أدخلوا معهم آباءهم وأمهاتهم) ، فالولد الصالح ينتفع بصلاح أبيه، والأب ينتفع بصلاح الولد.
إذاً: قوله تعالى: {وَأَنْ لَيْسَ لِلإِنسَانِ إِلَّا مَا سَعَى}[النجم:٣٩] ، فيه استثناءات وإضافات، وله إيضاحات، فقد ينتفع الرجل بسعي غيره، فإن الرجل قد يحج عن الآخر فينتفع بحجه، والرجل قد يتصدق عن الآخر فينتفع بصدقته، والرجل قد يدعو للآخر فينتفع بدعائه، والرجل قد يسدد الدين عن الآخر فيجزئ سداد الدين عنه، والرجل قد يشفع في الآخر فتقبل شفاعته فيه، وقد أورد بعض أهل العلم ما يقارب سبعة وعشرين وجهاً لاستفادة الشخص بسعي غيره، كلها بأدلة من الكتاب والسنة.
يقول سبحانه:{وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}[الطور:٢١] ما المراد بالذرية؟ هل الذرية المراد بها الأبناء فحسب أم المراد بها التسلسل؟ أحياناً يذكر الذرية ويراد بها أبناء الشخص فحسب، ذريتك هم أبناؤك، وأحياناً تمتد الذرية إلى أحفاد أحفاد الأحفاد، كما قال الله لنا:{ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ}[الإسراء:٣] ، وبيننا وبينهم قرون كثيرة، فقوله سبحانه:{وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ}[الطور:٢١] ، هل المراد بها الذرية المتسلسلة إلى قيام الساعة أو المراد بالذرية الأبناء؟ الظاهر أنه الثاني، والله سبحانه وتعالى أعلم، وإلا لاستوى أهل الصلاح كلهم في الفضل يوم القيامة، إذ كلهم يرجعون إلى المحمولين مع نوح، والمحمولون مع نوح عليه السلام في درجة عالية من الجنة، فلو قلنا بتسلسل الذرية إلى الأحفاد وأحفاد الأحفاد لاشترك الجميع في المنزلة، ولكن الذي يبدو ويظهر أن المراد بالذرية هنا هم الأولاد، والله سبحانه وتعالى أعلم.
قال تعالى:{وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُمْ بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُمْ مِنْ عَمَلِهِمْ مِنْ شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ}[الطور:٢١](وما ألتناهم) أي: وما أنقصناهم، بل كلٌ مرتهن بعمله وبكسبه.