[كيفية التحلل من الأيمان]
ثم قال الله: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢] ، أي: قد فرض الله لكم ما تتحللون به من هذه الأيمان حتى لا تقعوا في الإثم، وتحلة الأيمان هي الآية المذكورة في سورة المائدة: {وَلَكِنْ يُؤَاخِذُكُمْ بِمَا عَقَّدْتُمُ الأَيْمَانَ فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ ذَلِكَ كَفَّارَةُ أَيْمَانِكُمْ إِذَا حَلَفْتُمْ} [المائدة:٨٩] .
فأخذ العلماء منها حكماً فقهياً ألا وهو: أن من قال لأي شيء أو لطعام أو لشراب: هذا الشيء عليَّ حرام، وإذا قال رجل لامرأته: أنتِ عليَّ حرام، أو لجاريته: أنتِ عليَّ حرام، أو تحرمي عليَّ، أو حرام عليَّ أن آكل هذا الطعام، أو تحرم عليَّ زيارتك، أو أي شيء من هذا التحريم؛ فكفارة هذا كله كفارة يمين، كمن قال: والله لا أفعل كذا وكذا ثم فعل.
فذهب فريق من أهل العلم: إلى أن كفارة من قال لامرأته: أنتِ عليَّ حرام كفارة يمين: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:٨٩] .
وهذه المسألة قد تعددت فيها أقوال العلماء، وقد جمع القرطبي في تفسيره هذه الأقوال، فوصل بها إلى ثمانية عشر قولاً، لكن إذا أخذت الأقوال المعتمدة على الدليل فستجد أن الأقوى من هذه الأقوال قولين: القول الأول: قول من قال: إن الكفارة كفارة يمين.
والقول الذي يليه في القوة: أنه لا شيء عليه، ومستند العلماء القائلين بهذا القول أن قوله تعالى: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢] له مناسبة؛ لأن الرسول صلى الله عليه وسلم قال: (قد شربت عسلاً ولن أعود وقد حلفت) ، فقالوا: إن الله قال: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢] ؛ والرسول قد قال: (قد حلفت) ، فإذا قال الشخص: أنتِ حرام عليَّ وقد حلفت على ذلك، فيكفر كفارة يمين، أما إذا قال: أنتِ حرام عليَّ ولم يحلف فلا كفارة عليه.
لكن يقال من باب الاحتياط: إن الكفارة كفارة يمين، والتحلة هي كفارة اليمين المذكورة في قوله تعالى: {إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ} [المائدة:٨٩] .
وإطعام عشرة مساكين يكون وجبة واحدة، قال الجمهور: والقيمة لا تجزئ في كفارة اليمين؛ لأن الله قال: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ} [المائدة:٨٩] ، وقال الجمهور أيضاً: إنه يلزم أن يكون العدد عشرة، إلا إذا تعذر الحصول على العشرة فيجوز أن تخرج العشر وجبات لأهل بيت من خمسة أفراد مثلاً، أو لشخص واحد إذا لم تجد المساكين العشرة، أي: فلا يصار إلى إعطاء الشخص أكثر من وجبة إلا إذا تعذر الحصول على العشرة، أما إذا وجد العشرة فالجمهور يقولون: عليك أن تعطي عشرة؛ لأن الله قال: (إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ) .
قال الله سبحانه: {فَكَفَّارَتُهُ إِطْعَامُ عَشَرَةِ مَسَاكِينَ مِنْ أَوْسَطِ مَا تُطْعِمُونَ أَهْلِيكُمْ أَوْ كِسْوَتُهُمْ أَوْ تَحْرِيرُ رَقَبَةٍ فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:٨٩] ، فلا تلجأ إلى الصيام إلا إذا فقدت الإطعام، أما إذا كنت تستطيع الإطعام فالصيام منك غير مقبول ولا مجزئ؛ لأن الله قال: {فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ} [المائدة:٨٩] .
قال الله سبحانه: {قَدْ فَرَضَ اللَّهُ لَكُمْ تَحِلَّةَ أَيْمَانِكُمْ} [التحريم:٢] ، أي: قد بيّن الله لكم تحلة اليمين، وأوجبها عليكم.
{وَاللَّهُ مَوْلاكُمْ} [التحريم:٢] أي: ناصركم ومتولي أمركم سبحانه وتعالى، وهذا أيضاً ينبغي أن يدرجه العبد في دعائه؛ فتطلب من الله سبحانه وتعالى أن يتولاك ويتولى إخوانك ويتولى ذراريك، فهو سبحانه وتعالى يتولى الصالحين، وقد كان هذا ضمن دعاء لرسول الله صلى الله عليه وسلم: (اللهم آت نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها) .
{وَهُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ} [التحريم:٢] ، (العليم) بقلوبكم وبنياتكم، (الحكيم) بما شرع.