{مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ}[القلم:١٢] كما أسلفنا أن كثيراً من العلماء قال -وأطلق بعضهم ذلك-: إذا ذكر الخير في كتاب الله، فالمراد به دوماً المال، {وَإِنَّهُ لِحُبِّ الْخَيْرِ لَشَدِيدٌ}[العاديات:٨] أي: لحب المال لشديد، فمن العلماء من أطلق وقال: كل خير في كتاب الله يراد به المال، لكن وإن سلم لهم هذا القول كما في قوله تعالى:{كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ إِنْ تَرَكَ خَيْرًا الْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ}[البقرة:١٨٠] أي: إن ترك مالاً، إن سلمنا بذلك في مواطن، فلا نسلم به في مواطن أخرى، كقوله تعالى:{لا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ}[النساء:١١٤](خير) هنا لها معنىً أخر تماماً.
فالحاصل أن الأولى أن يقال: إن أكثر ورود الخير في كتاب الله بمعنى المال، لكن لا يتمنع أن يأتي الخير بمعنىً آخر.
قال الله سبحانه وتعالى {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ}[القلم:١٢] هل المراد بها مناع للمال، أو المراد بها نوع مخصوص من المال؟ فمن العلماء من قال: إن المراد بالخير هنا: الزكوات المفروضة.
ومنهم من قال: إن المناع للخير هنا مناع لأوجه الخير بعمومها.
وقيل: نزلت هذه الآيات -وليس لدينا شيء عن رسول الله ثابت الإسناد- في الوليد بن المغيرة والد خالد بن الوليد رضي الله عن خالد، فكان أبوه ينفق المال الكثير، وينحر مئات من الإبل في الحج، ويرسل مناديه ينادي: من كان يريد اللحم فليأت إلى الوليد بن المغيرة فيأمر الناس بإطفاء النيران أيام منى، وإذا طلب منه شيء لله منع؛ لأنه كان لا يفعل ذلك إلا على سبيل الرياء والمباهاة، وإذا طلب منه شيء للفقراء وذوي الحاجة والمسكنة لله منع، {مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ}[القلم:١٢] أي: على غيره {أَثِيمٍ}[القلم:١٢] أي: أثيم في نفسه، يعني: بينه وبين الله آثم ومرتكب للذنوب في حق نفسه وفي حق ربه، وعلى الخلق معتدٍ أيضاً، فمعتدٍ أثيم جمعت المعنيين؛ فهو في نفسه آثم، ولخلق الله ظالم، كما في قوله تعالى:{وَتَعَاوَنُوا عَلَى الْبِرِّ وَالتَّقْوَى وَلا تَعَاوَنُوا عَلَى الإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ}[المائدة:٢] فجمع بين الإثم في النفس، والظلم للغير.