للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: وإذا الأرض مدت.]

قال الله سبحانه وتعالى: {وَإِذَا الأَرْضُ مُدَّتْ} فإذا مدت -كما أسلفنا القول- أو فردت فما بداخلها وما بثناياها يطلع ويخرج على وجهها، كالشيء المنثني إذا فردته خرج ما بداخله ما بين الكسرات، وهكذا الأرض بداخلها أشياء أطبقت عليها فإذا فردت خرج ما بداخلها من أشياء.

ومن ثم قال تعالى: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:٤] .

((وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا)) أي ما بداخلها.

وما هو الذي بداخلها؟ قال النبي صلى الله عليه وسلم: (تقيء الأرض -تقيء من قاء يقيء- أفلاذ كبدها كأمثال الأسطوان من الذهب والفضة، فيأتي القاطع ويقول: -وهو ينظر إلى الذهب والفضة الذي ألقته الأرض على وجهها- في هذا قطعت رحمي، ويأتي القاتل ويقول: في هذا قتلت، ويأتي السارق ويقول: في هذا قطعت يدي) أي: في هذه الأشياء التي لا قيمة لها وأصبح لا وزن لها فالقاتل يستحقر نفسه كيف أنه قتل أخاه المسلم من أجل هذا الذهب الذي ألقته الأرض ولفظته، وهذا على قول من قال: إن قوله تعالى: ((وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا)) أي: ما بداخلها من كنوز ومن معادن من ذهب وفضة وعلى القول الآخر: {وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ} [الانشقاق:٤] أي: ألقت ما فيها من الأموات الذين كانوا بداخلها، كما قال الله سبحانه: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} [ق:٤٤] ، وكما قال سبحانه: {وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ} [الانفطار:٤] أي: أثيرت واستخرج ما بداخلها.

إذاً: القول الأول: أن (ألقت ما فيها) ، أي: ما بداخلها من كنوز، على ما ورد في حديث النبي عليه الصلاة والسلام، والقول الثاني: (ألقت ما فيها) أي: من الأموات، كما قال سبحانه: {يَوْمَ تَشَقَّقُ الأَرْضُ عَنْهُمْ سِرَاعًا ذَلِكَ حَشْرٌ عَلَيْنَا يَسِيرٌ} فبعد أن كانت لهم كفاتاً أحياءً يمشون عليها وأمواتاً يدخلون في بطنها، يوم القيامة تلفظ كل من في بطنها وتتخلى عن المسئولية.

(ألقت ما فيها وتخلت) أي: قائلة: يا رب! هذه المسئولية التي حملتني إياها فهؤلاء عبيدك الذين دفنوا في بطني هاهم بين يديك وهذه المعادن التي أودعتها فيّ هاهي بين يديك، وتفرغ تماماً وتتخلى عن كل مسئولية قد حملتها هذه الأرض.

{وَأَلْقَتْ مَا فِيهَا وَتَخَلَّتْ * وَأَذِنَتْ لِرَبِّهَا وَحُقَّتْ} [الانشقاق:٤-٥] استمعت ما يملى عليها وتؤمر به من الله سبحانه وتعالى.