وقوله تعالى:{فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:٢٠] ^، أخذت منه جملة مسائل فقهية يهمنا منها مسألة حكم قراءة الفاتحة في الصلاة، وقد وقع الخلاف في ذلك بين العلماء، فمن أهل العلم من قال: إن قراءة الفاتحة واجبة في كل صلاة فرضاً كانت هذه الصلاة أو نفلاً، وسواءً كان المصلي منفرداً أو مع جماعة، إماماً كان أو مأموماً؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، قال: والنكرة في سياق النفي تفيد العموم، قال:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، فتجب الفاتحة على هذا الرأي في كل صلاة يصليها العبد منفرداً كان أو وفي جماعة، مأموماً كان أو إماماً، في فرض كان أو في نفل، فعلى هذا الرأي إذا أدركت الإمام راكعاً وركعت معه؛ لا تحسب لك هذه الركعة، ويلزمك أن تأتي بركعة جديدة، وهذا رأي الإمام البخاري رحمه الله تعالى وطائفة من أهل العلم، واستدلوا بحديث:(لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ، أما الجمهور فقالوا: إن قراءة الفاتحة لا تجب في الصلاة الجهرية، واستدلوا بأحاديث منها حديث:(من كان له إمام فقراءة الإمام له قراءة) ، وكل طرق هذا الحديث ضعيفة.
ومنها أحاديث استنبط منها الحكم استنباطاً كما في قصة إدراك أبي بكرة للركوع مع رسول الله صلى الله عليه وسلم، عندما جاء متأخراً ودخل في الصلاة والنبي راكع، فقال له النبي عليه الصلاة والسلام -بعد أن انصرف من الصلاة- (زادك الله حرصاً! ولا تعد) ، قالوا: لم يأمره النبي بالإتيان بركعة جديدة فعلى ذلك يكتفي المؤتم بقراءة الإمام، وإذا أدرك الإمام وهو راكع كتبت له ركعة، وهذا رأي الجمهور، ومن العلماء من قال: إن قوله تعالى: {فَاقْرَءُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ}[المزمل:٢٠] ^ يفيد: التخيير، وقد ذهب طائفة من الأحناف إلى أنه: إذا قرأ العبد أي شيء من القرآن في صلاته جازت الصلاة وصحت الصلاة لعموم قوله تعالى: (فاقرءوا ما تيسر من القرآن) ، ولما ورد في بعض طرق حديث: المسيء صلاته: (فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) ، وفي بعض طرق هذا الحديث:(اقرأ بفاتحة الكتاب ثم بما تيسر) ، وفي طرق أخر:(فكبر ثم اقرأ ما تيسر معك من القرآن) .