للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[نصرة الله لأنبيائه وأوليائه]

قال تعالى: {فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ} [القمر:١٠] ، دعوة موجزة لكنها صدرت من مظلوم، والنبي صلى الله عليه وسلم يقول: (إياك ودعوة المظلوم! فإنها ليس بينها وبين الله حجاب، يرفعها الله سبحانه فوق الغمام، ويقول: بعزتي! لأنصرنك ولو بعد حين) ، فليحذر الشخص دعوة مظلوم قد ظلمه، فإن هذه الدعوة تطاردك ولو بعد زمن طويل، وتلاحقك، وتنزل بك فجأة وعلى غرة، فليؤد كل شخص المظالم إلى أهلها.

قال سبحانه: {فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ * وَفَجَّرْنَا الأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ} [القمر:١١-١٢] ، تصوير بليغ: تُفتح أبواب السماء بماءٍ منهمر، والأرض تفجر عيوناً، فيلتقي الماء على أمرٍ قد قُدِر، ماءٌ يغطي أعالي الجبال، كما قال نوح لولده إذ قال له: {سَآوِي إِلَى جَبَلٍ يَعْصِمُنِي مِنَ الْمَاءِ قَالَ لا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ} [هود:٤٣] ، فالذي ينزل الماء هو الله، والذي يفجر الأرض عيوناً هو الله سبحانه، والذي يسخر السحب ويسيرها هو الله، والذي يفجر الأرضين هو الله سبحانه وتعالى، فليكن الملتجأ إليه دائماً.

قال الله سبحانه: {وَحَمَلْنَاهُ} [القمر:١٣] أي: حملنا نوحاً عليه الصلاة والسلام ومن معه كما في الآية الأخرى، {فَأَنجَيْنَاهُ وَمَنْ مَعَهُ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ} [الشعراء:١١٩] .

قال سبحانه: {وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:١٣] هي: السفينة، وهي: الفلك، وهي الجارية، فقد أُطلِق عليها كل ذلك، وأُطلِق عليها: {ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ} [القمر:١٣] ، وأُطلِق عليها: الفلك المشحون، أي: المملوء، من قولهم: شحنتُ الباخرة، أو شُحِنت الباخرة، وأُطلِق عليها: الجارية لقوله: {إِنَّا لَمَّا طَغَى الْمَاءُ حَمَلْنَاكُمْ فِي الْجَارِيَةِ} [الحاقة:١١] ، والفلك كما في قوله تعالى: {وَاصْنَعِ الْفُلْكَ بِأَعْيُنِنَا وَوَحْيِنَا} [هود:٣٧] .

قال سبحانه وتعالى: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] قال كثير من المفسرين: أي تجري على مرأى منا، وبحفظنا وبرعايتنا لها، كما قال الله سبحانه وتعالى لموسى صلى الله عليه وسلم: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} [طه:٣٩] ، وكما قال الله لنبيه محمد عليه الصلاة والسلام: {وَاصْبِرْ لِحُكْمِ رَبِّكَ فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} [الطور:٤٨] ، فقوله سبحانه: {وَلِتُصْنَعَ عَلَى عَيْنِي} ، {فَإِنَّكَ بِأَعْيُنِنَا} ، و {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} كل ذلك كقول الشخص -مع ملاحظة الفارق- في الحياة الدنيا: ابنك في عيني، أي: أنا أحفظه وأرعاه لك بإذن الله فاطمئن عليه.

فالله سبحانه وتعالى يقول: {تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا} [القمر:١٤] ، أي: بحفظنا وبرعايتنا.

{جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ} [القمر:١٤] ، والجزاء هنا بمعنى: الثواب، والجزاء أحياناً يطلق بمعنى: العقاب، أي: إكراماً منا لمن كان كَفَر به قومه وهو نوح صلى الله عليه وسلم.