[حفظ الله لكتابه في صدر نبيه]
{لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:١٦] .
الخطاب لرسول صلى الله صلى الله عليه وسلم؛ كما جاء في البخاري من حديث ابن عباس، قال: كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك لسانه بالقرآن وجبريل يقرئه، فكان يقرأ القرآن مع جبريل أثناء قراءة جبريل، خشية أن يتفلت منه هذا القرآن، فيجتهد في حفظ القرآن مع جبريل، ويسرع بلسانه ويحركه حتى يأخذ ما ألقاه عليه جبريل.
قال ابن عباس: (فأنا أحركها كما كان رسول الله يحركها) ، قال سعيد بن جبير: (فأنا أحركها كما رأيت ابن عباس يحركها) ، وهذا الحديث يسميه العلماء: حديثاً مسلسلاً.
والحديث المسلسل: هو الحديث الذي يصحب القول فيه فعلٌ، مثل أن يذكر النبي صلى الله عليه وسلم شيئاً فيضحك، فيأتي الصحابي يذكر الشيء نفسه عن رسول الله فيضحك كما ضحك الرسول صلى الله عليه وسلم، فيأتي التابعي يروي الحديث عن الصحابي فيضحك كما ضحك الصحابي، فيكون الضحك قد تسلسل مع الكلام المنقول عن رسول الله صلى الله عليه وسلم.
فمثلاً لما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (إن رجلاً من أهل الجنة يشتهي الزرع، فيطلب من الله سبحانه وتعالى أن يزرع) .
فالشاهد فيه: أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكر الحديث، فقال رجل من الأعراب: يا رسول الله هذا الرجل الذي يشتهي الزرع ليس منا، إنما هو أنصاري أو مهاجري، أما نحن فلسنا أهل زرع، فضحك النبي صلى الله عليه وسلم، فروى الصحابي الحديث فضحك، وهكذا.
فكان النبي صلى الله عليه وسلم يعالج من التنزيل شدة، فكان يحرك شفتيه بالقرآن، فقال الله له: {لا تُحَرِّكْ بِهِ لِسَانَكَ لِتَعْجَلَ بِهِ} [القيامة:١٦] .
{إِنَّ عَلَيْنَا جَمْعَهُ} [القيامة:١٧] لك في صدرك، {وَقُرْآنَهُ} [القيامة:١٧] ، أي: قراءته، فالمعنى: علينا نحن أن نجمعه لك في صدرك، وعلينا أيضاً أن نعينك على قراءته.
{ثُمَّ إِنَّ عَلَيْنَا بَيَانَهُ} [القيامة:١٩] ، أي: إظهاره.
{كَلَّا بَلْ تُحِبُّونَ الْعَاجِلَةَ} [القيامة:٢٠] ، والعاجلة هي الدنيا.
{وَتَذَرُونَ الآخِرَةَ} [القيامة:٢١] أي: تتركون العمل للآخرة.