للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (وإذا الرسل أقتت.]

قال الله سبحانه وتعالى في كتابه الكريم: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ} [المرسلات:١١] قال بعض أهل العلم: أجلت للاجتماع، وقال بعضهم: جمعت في يوم اللقاء، فيجمع المرسلون عليهم الصلاة والسلام في هذا اليوم.

للعلماء في (أقتت) قولان: أحدهما: أجلت للاجتماع في يوم الجمع.

والآخر: أن معنى أقتت أي: جمعت.

ولماذا يُجمع المرسلون؟ يجمع المرسلون لأمور متعددة، منها الشهادة على أممهم، كما قال الله سبحانه: {فَكَيْفَ إِذَا جِئْنَا مِنْ كُلِّ أُمَّةٍ بِشَهِيدٍ وَجِئْنَا بِكَ عَلَى هَؤُلاءِ شَهِيدًا} [النساء:٤١] فالرسل يجمعون للشهادة على أممهم يوم القيامة.

كل رسول يأتي ويشهد على قومه، ويسأل أحياناً أسئلة لتبكيت قومه، كما الله سبحانه وتعالى: {وَإِذْ قَالَ اللَّهُ يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:١١٦] تخيل هذا الموقف وهذا السؤال الموجه من الله سبحانه إلى عيسى عليه الصلاة والسلام في هذا الموقف الذي هذه صورته، وهذه أحواله ومقدماته، يقول الله: {يَا عِيسَى ابْنَ مَرْيَمَ أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:١١٦] والله يعلم أن عيسى ما قال ذلك، ولكن لتبكيت ولتسفيه ولتوبيخ عابديه، {أَأَنتَ قُلْتَ لِلنَّاسِ اتَّخِذُونِي وَأُمِّيَ إِلَهَيْنِ مِنْ دُونِ اللَّهِ} [المائدة:١١٦] فحينئذٍ يظهر عيسى عليه السلام غاية البراءة فيقول: {سُبْحَانَكَ مَا يَكُونُ لِي أَنْ أَقُولَ مَا لَيْسَ لِي بِحَقٍّ} [المائدة:١١٦] أي: ليس لي أن أدعي هذه الدعوى، {إِنْ كُنتُ قُلْتُهُ فَقَدْ عَلِمْتَهُ تَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِي وَلا أَعْلَمُ مَا فِي نَفْسِكَ إِنَّكَ أَنْتَ عَلَّامُ الْغُيُوبِ} [المائدة:١١٦] * {مَا قُلْتُ لَهُمْ إِلَّا مَا أَمَرْتَنِي بِهِ أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ رَبِّي وَرَبَّكُمْ وَكُنتُ عَلَيْهِمْ شَهِيدًا مَا دُمْتُ فِيهِمْ فَلَمَّا تَوَفَّيْتَنِي كُنتَ أَنْتَ الرَّقِيبَ عَلَيْهِمْ وَأَنْتَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ شَهِيدٌ} [المائدة:١١٧] .

وكذلك الملائكة: {وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا ثُمَّ يَقُولُ لِلْمَلائِكَةِ أَهَؤُلاءِ إِيَّاكُمْ كَانُوا يَعْبُدُونَ * قَالُوا سُبْحَانَكَ} [سبأ:٤٠-٤١] تنزهت {أَنْتَ وَلِيُّنَا مِنْ دُونِهِمْ بَلْ كَانُوا يَعْبُدُونَ الْجِنَّ أَكْثَرُهُمْ بِهِمْ مُؤْمِنُونَ} [سبأ:٤١] .

قال الله سبحانه: {وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ * لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ * لِيَوْمِ الْفَصْلِ} [المرسلات:١١-١٣] الذي يُفصل فيه بين العباد، فيفصل فيه بين أهل الكفر وأهل الإسلام، ويقضى فيه بين المؤمنين أنفسهم في المظالم التي ارتكبها بعضهم في حق بعض، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لتؤدن الحقوق إلى أهلها يوم القيامة حتى يقاد للشاة الجلحاء من الشاة القرناء) فالشاة التي نطحت بقرنها شاة أخرى ليس لها قرن يقتص منها لتلك الشاة الضعيفة التي لا قرن لها.

والأحاديث في هذا الباب لا تخفى، وقد قال تعالى: {إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ * ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ} [الزمر:٣٠-٣١] قال الزبير لرسول الله صلى الله عليه وسلم عند هذه الآية: (يا رسول الله أوتكرر علينا الخصومات يوم القيامة؟ قال: نعم حتى يؤدى لكل ذي حق حقه، قال: إن الأمر إذاً لشديد يا رسول الله) ، إن الأمر إذاً لعسير.