للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[توبيخ الله للإنسان الفاجر]

قال تعالى: {أَيَحْسَبُ الإِنسَانُ} [القيامة:٣] .

أي: أيظن هذا الإنسان الكافر الملحد: {أَلَّنْ نَجْمَعَ عِظَامَهُ} [القيامة:٣] ؟ {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} [القيامة:٤] ، البنان: هي أطراف الأصابع كما هو معروف، كما قال الله: {فَاضْرِبُوا فَوْقَ الأَعْنَاقِ وَاضْرِبُوا مِنْهُمْ كُلَّ بَنَانٍ} [الأنفال:١٢] .

ما معنى قوله تعالى: {بَلَى قَادِرِينَ عَلَى أَنْ نُسَوِّيَ بَنَانَهُ} ؟ من العلماء من قال: إن معناها بلى قادرين على أن نجعل الأصابع كلها ملتصقة ببعضها، كخف البعير وحافر الفرس، فلا تستفيد منها حينئذٍ تلك الاستفادة التي تستفيدها بتفرق الأصابع.

ومنهم من قال: إن المراد التسوية في الطول، أي: نحن قادرون على أن نجعلها كلها مقاساً واحداً.

ومن العلماء من قال -وهو أيضاً قول لبعض الأوائل- تسويتها في البصمات ونحو ذلك.

{بَلْ يُرِيدُ الإِنسَانُ لِيَفْجُرَ أَمَامَهُ} [القيامة:٥] .

أي: يتمادى في المعاصي ويستمر فيها، والمعنى أنه يريد في أيامه القادمة أن يتمادى في معاصيه وفي غيه.

قوله: (يسأل) أي: يسأل مستهزئاً قائلاً: {أَيَّانَ يَوْمُ الْقِيَامَةِ} [القيامة:٦] .

فيقول الله سبحانه: {فَإِذَا بَرِقَ الْبَصَرُ * وَخَسَفَ الْقَمَرُ} [القيامة:٨] أي: ذهب ضوؤه.

{وَجُمِعَ الشَّمْسُ وَالْقَمَرُ * يَقُولُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ أَيْنَ الْمَفَرُّ * كَلَّا لا وَزَرَ} [القيامة:١١] ، أي: لا ملتجأ، {إِلَى رَبِّكَ يَوْمَئِذٍ الْمُسْتَقَرُّ * يُنَبَّأُ الإِنسَانُ يَوْمَئِذٍ بِمَا قَدَّمَ وَأَخَّرَ} [القيامة:١٣] .

من العلماء من حمل قوله تعالى: (ما قدم) أي: ما قدم من حسنات، (وأخر) أي: ما فعل من السيئات، كما في قوله تعالى: {لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَتَقَدَّمَ} [المدثر:٣٧] ، أي: بالحسنات، {أَوْ يَتَأَخَّرَ} [المدثر:٣٧] ، أي: بالسيئات.

قال تعالى: {بَلِ الإِنسَانُ عَلَى نَفْسِهِ بَصِيرَةٌ * وَلَوْ أَلْقَى مَعَاذِيرَهُ} [القيامة:١٤-١٥] .

من العلماء من قال: إن المعاذير: هي الستور، أي: ولو أسدل على نفسه الستور بالاعتذارات فهو يعرف تماماً ما صنع، كما قال الله: {فَإِنَّهُمْ لا يُكَذِّبُونَكَ وَلَكِنَّ الظَّالِمِينَ بِآيَاتِ اللَّهِ يَجْحَدُونَ} [الأنعام:٣٣] .

فمعنى الآية: إن الإنسان وإن جادل بالباطل، واعتذر عن نفسه باعتذارات؛ فهو يعرف تماماً ما صنع، وما ارتكب، وما اقترف، فهو في نفسه يعلم ذلك جيداً ولو حاول أن يستر نفسه أمام الناس، أو يلقي الاعتذارات.