[نظر المرأة إلى الرجل]
قوله تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:٣١] الأمر قد توجه للمؤمنين بغض البصر، وكان بالإمكان القول بأن النساء يدخلن في خطاب الرجال فيكفي ذكر المؤمنين إذ يدخل فيه المؤمنات، ولكن الله تعالى نص ثانياً على النساء لانسحاب الحكم عليهن حتى لا يظن ظان أن النساء خارجات من الحكم.
فللتأكيد على أن الحكم ينسحب أيضاً على النساء قال تعالى: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:٣١] ونحو هذا مع بعض فارق في قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ} [الحجرات:١١] فالنساء يدخلن في القوم، ولكن نص عليهن للتأكيد، ولبيان أن السخرية منهن بعضهن من بعض أكثر.
قال سبحانه: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:٣١] والغض الخفض كما تقدم و (من) هنا: للتبعيض، فلم يقل: (يغضضن أبصارهن) لأن للمرأة أن تنظر إلى زوجها، فلذلك من العلماء من قال: إن (من) هنا للتبعيض.
يعني: لا يغضضن أبصارهن كلية، بل يغضضن أبصارهن عما حرم عليهن فقط، أما الذي لم يحرم عليهن فلهن أن ينظرن إليه، وهم الأزواج.
وبهذه الآية: {وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ} [النور:٣١] استدل فريق من العلماء على أنه لا يجوز للمرأة أن تنظر إلى الرجال أصلاً، لا بشهوة ولا بغير شهوة، إلا ما دعت إليه الضرورة، وأيد أصحاب هذا القول قولهم بحديث فيه ضعف ألا وهو (أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل على بعض نسائه ورأى عندهما ابن أم مكتوم فأنكر ذلك عليهما، فقالتا: إنه رجل أعمى يا رسول الله! قال: أفعمياوان أنتما) .
ففيه أن النبي صلى الله عليه وسلم منعهما من النظر إلى الأعمى، إلا أن هذا الحديث ضعيف الإسناد، وهو من طريق نبهان مولى أم سلمة، وهو ضعيف، هذا مجمل أدلة القائلين بمنع المرأة من النظر إلى الرجال أصلاً.
وضموا إلى هذين الاستدلالين أصلاً عاماً وهو: أن النظر طريق إلى الفساد وإلى الفاحشة، فمنعه من الأصل سداً للذريعة أي: ذريعة الوصول إلى المحرم، فأصبح هناك نصان وأصل عام، ألا وهو قوله تعالى: {وَاللَّهُ لا يُحِبُّ الْفَسَادَ} [البقرة:٢٠٥] ومنه قاعدة سد الذرائع.
بينما رأى فريق من أهل العلم جواز نظر المرأة إلى الرجال إذا أمنت الفتنة، ولم يكن ذلك بشهوة، واستدلوا (بأن النبي صلى الله عليه وعلى آله وسلم حمل عائشة ووضع خدها على خده وجعلها تنظر من شق الباب إلى الأحباش وهم يلعبون في المسجد) .
واستدلوا أيضاً بأن النبي صلى الله عليه وسلم قال لـ فاطمة بنت قيس: (اعتدي عند ابن أم مكتوم فإنه رجل أعمى تضعين ثيابك عنده) فرأى هذا الفريق جواز نظر المرأة إلى الرجال إذا لم يكن مع ذلك شهوة، أما إن وجدت الشهوة فيمنع، أو إن كان النظر سيولد الشهوة فيمنع كذلك.
والله سبحانه وتعالى أعلم.