للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[تفسير قوله تعالى: (فانكحوا ما طاب لكم من النساء.]

قوله تعالى: {فَانكِحُوا} أي: تزوجوا، والنكاح له معنيان: فيأتي بمعنى عقد التزويج، ويأتي بمعنى الجماع أو الوطء.

فالنكاح: عقد التزويج في الشرع، ولكن في اللغة أصل النكاح: الضم والتداخل، كما يقال: نكح النوم عينه، فالنكاح في عموم الآيات الواردة في الكتاب يأتي بمعنى عقد التزويج، إلا في مواطن قليلة كقوله تعالى: {فَإِنْ طَلَّقَهَا فَلا تَحِلُّ لَهُ مِنْ بَعْدُ حَتَّى تَنكِحَ زَوْجًا غَيْرَهُ} [البقرة:٢٣٠] ، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (لا، حتى تذوقي عسيلته ويذوق عسيلتك) .

وقوله تعالى: ((مَا طَابَ لَكُمْ)) (ما) لغير العاقل، و (من) للعاقل، والعلماء يقولون: إن (ما) تأتي في كتاب الله تعالى للعاقل ولغير العاقل، والدليل على إتيانها للعاقل قوله تعالى: {وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا} [الشمس:٥-٦] ، فـ (ما) هنا لله سبحانه وتعالى، وهذا دليل على إتيان (ما) للعاقل.

وقوله تعالى: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى} أي: مثنى إن شئتم، {وَثُلاثَ} إن شئتم {وَرُبَاعَ} إن شئتم.

والواو تكون للتخيير، وتكون للجمع، وأحياناً تأتي بمعنى التنويع، كقوله تعالى: {جَاعِلِ الْمَلائِكَةِ رُسُلًا أُولِي أَجْنِحَةٍ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} [فاطر:١] .

وأحياناً تأتي الواو عطفاً للصفات كقوله تعالى: {سَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى * الَّذِي خَلَقَ فَسَوَّى * وَالَّذِي قَدَّرَ فَهَدَى * وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى} [الأعلى:١-٤] .

الواو في قوله: {فَانكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاثَ وَرُبَاعَ} للتخيير، أي: مثنى إن شئتم، وثلاث إن شئتم، ورباع إن شئتم.

فإن قال قائل: إن الآية محتملة الجمع كما قالت الشيعة، فيصير العدد تسعة؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم تزوج تسعاً فلا بد أن يكون هناك من الحجة ما يبطل مثل هذا القول.

فإذا حاججتهم بأن الواو هنا مقتضية للتخيير، فله وجه، لكن ليس بوجه قاضٍ على قولهم، وأما حديث الباب: عن غيلان بن سلمة رضي الله تعالى عنه كان متزوجاً عشراً، فلما أسلم أمره النبي صلى الله عليه وسلم أن يفارق ستاً ويبقي أربعاً، فهذا الحديث الراجح فيه أنه معلّ.

وإنما يحتج عليهم بإجماع أصحاب رسول الله عليه الصلاة والسلام على أنه لا يزيد الرجل على أربع نسوة، ولم يكن فيهم واحد على الإطلاق على عهد الرسول صلى الله عليه وسلم له أكثر من أربع نسوة زوجات، وأما الإماء فلك من الإماء ما شئت.

فلأجل هذا حملنا الواو على التخيير.