قال الله:{وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا}[النساء:٤٣] أي: حتى تغتسلوا من الجنابة.
وصفة الغسل من الجنابة مختصراً: لا يضع المغتسل يده في الإناء مباشرة، بل يغسلها ثلاثاً قبل أن يغمسها في الإناء، ثم يأخذ ماءً فيغسل ذكره غسلاً جيداً، ثم يدلك يده في الأرض دلكاً شديداً أو ما يقوم مقام الأرض كالصابون ونحو ذلك، ثم يتوضأ وضوءه للصلاة، ويؤخر رجليه إلى آخر الغسل، ثم يأخذ ثلاث حفنات من الماء فيخلل بها رأسه، ثم يبدأ بشقه الأيمن ثم الأيسر، ثم يغسل سائر الجسد، ثم يتنحى ويغسل رجليه.
هذه الصفة مجموعة من جملة أحاديث عن رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وسلم، وهي ثابتة في الصحيحين وفي غيرهما.
من لم يفعل ذلك، ودخل مباشرة تحت (الدش) واغتسل أجزأه هذا الغسل وصح غسله، فإن النبي عليه الصلاة والسلام قال للأعرابي:(خذ هذا الدلو فأفرغه على نفسك) وكان رجلاً قد أجنب، ولم يأمره بالوضوء، فاستدل فريق من أهل العلم بهذا الحديث على أن الوضوء بين يدي الغسل ليس بواجب.
{وَلا جُنُبًا إِلَّا عَابِرِي سَبِيلٍ حَتَّى تَغْتَسِلُوا وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى أَوْ عَلَى سَفَرٍ أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ أَوْ لامَسْتُمُ النِّسَاءَ فَلَمْ تَجِدُوا مَاءً فَتَيَمَّمُوا}[النساء:٤٣] هنا تقدير ولا بد منه؛ لأنك إذا أخذت الآية على ظاهرها:(إن كنتم مرضى فتيمموا) ؛ لكان كل مريض يتيمم، لكن التقدير:{وَإِنْ كُنتُمْ مَرْضَى}[النساء:٤٣] فحال المرض بينكم وبين استعمال الماء، فحينئذٍ تيمموا، أما إن كنت مريضاً مرضاً لا يؤثر الماء فيه، فحينئذٍ يجب عليك أن تتوضأ.
والتقديرات مستساغة في كتاب الله إذا كان المعنى يتطلبها، وقد تقدم أمثلة لذلك: كقوله تعالى في سورة البقرة: {فَمَنْ كَانَ مِنْكُمْ مَرِيضًا أَوْ بِهِ أَذًى مِنْ رَأْسِهِ فَفِدْيَةٌ}[البقرة:١٩٦] فالآية معناها: من كان منكم مريضاً أو به أذىً من رأسه فارتكب محظوراً ففدية، أما إذا كان المحرم مريضاً ولم يرتكب محظوراً فلا نقول له: عليك فدية إذا كنت مريضاً وإن لم ترتكب محظوراً! فالتقدير إذاً: وإن كنتم مرضى فحال المرض بينكم وبين استعمال الماء فتيمموا.
{أَوْ عَلَى سَفَرٍ}[النساء:٤٣] فحال السفر بينكم وبين استعمال الماء فتيمموا، خشيتم الضرر من استعمال الماء الذي معكم فتيمموا، فليس كل مسافر يتيمم، فالمسافر الذي أمامه ماء لا يقال له: تيمم! {أَوْ جَاءَ أَحَدٌ مِنْكُمْ مِنَ الْغَائِطِ}[النساء:٤٣] كذلك.