وقوله تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} ، ورد عن رسول الله صلى الله عليه وسلم في فضل الحكم بالعدل أحاديث، منها:(المقسطون على منابر من نور عن يمين الرحمن يوم القيامة، الذين يعدلون في حكمهم وأهاليهم وما ولوا) ، وقال النبي صلى الله عليه وسلم:(يصبح على كل سلامى من ابن آدم صدقة، تعدل بين اثنين صدقة) ، وقال الله تبارك وتعالى:{وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف:١٨١] ، فكل هذه الآيات والأحاديث تحث على العدل بين الناس، وتحث أيضاً على القضاء بينهم، والنبي صلى الله عليه وسلم قال:(ورجلٌ آتاه الله الحكمة فهو يقضي بها ويعلمها) ، ومسألة القضاء جاءت فيها نصوص وعيد، وجاءت كذلك فيها نصوص تبين فضل القاضي الذي يقضي بين الناس بالعدل بما علمه الله إياه، فهذه كلها أدلة تؤيد رأي من قال باستحباب القضاء بين الناس بالعدل، واستحباب العمل في القضاء إذا كان الشخص واثقاً من نفسه، وأنه سيقضي بكتاب الله وبسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وفي هذا الباب حديث بريدة قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (القضاة ثلاثة: قاضيان في النار، وقاضٍ في الجنة) قاضٍ علم الحق وقضى به فهو في الجنة، وقاضٍ قضى بجهل لم يعبأ ولم يجتهد في معرفة الحق -هذا ليس من كلام الرسول إنما هو شرح للحديث- فهو في النار، وقاضٍ قضى بجورٍ عن عمدٍ فهو في النار كذلك.
وعلى ذلك فلا يتحاكم إلى قول الشاعر: قضاة زماننا أضحوا لصوصاً عموماً في البرية لا خصوصاً ولو عند التحية صافحونا لسلوا من أيادينا الفصوصا ولو أمروا بقسمة ألف ثوبٍ لما أعطوا لعريانٍ قميصاً الله يقول: {وَمِمَّنْ خَلَقْنَا أُمَّةٌ يَهْدُونَ بِالْحَقِّ وَبِهِ يَعْدِلُونَ}[الأعراف:١٨١] ، والدليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله يقضي على أبيات الشعر، والدليل من كتاب الله ومن سنة رسول الله هو الذي يتحاكم إليه.
قال تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} والعدل في كتاب الله وفي سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وقوله تعالى:{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ} هذا يخول للمسلم أن يحكم بين الكفار، وأن يقضي فيهم، قال الله تعالى:{وَإِنْ حَكَمْتَ فَاحْكُمْ بَيْنَهُمْ بِالْقِسْطِ إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ الْمُقْسِطِينَ}[المائدة:٤٢] فيجوز للمسلم أن يحكم في كفار، وقد حكم النبي صلى الله عليه وسلم على يهوديين زنيا بالرجم، وهذا ثابت في صحيح البخاري وفي غيره، فيجوز للمسلم أن يقضي بين الاثنين ولو كانا من الكفار.
{وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ} ، نعم الشيء يذكركم به الله سبحانه وتعالى.