يوسف عليه السلام كان ينتظر سبعاً شداداً وقبلها سبعاً سماناً، فكان يحتاج إلى تدبير الأمور، وقد علمه الله ذلك، فحينئذٍ ليس هناك مانع في أن يظهر ما عنده من الكفاءات، وليس هذا من باب الرياء بل للصالح العام، وجائز أيضاً مساعدة من هم على غير الإسلام في كرب سيقعون فيه ما لم يكونوا من المحاربين.
فأجابه الملك إلى طلبه، فهو عنده كما ذكر من قبل: مكين أمين، قال الله سبحانه وتعالى وهو الذي يولي الناس المناصب، وهو الذي ينزعها منهم، وهو الذي يؤتي الملك من يشاء وينزع الملك ممن يشاء، وما الملك إلا سبب، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ} فالذي مكن له في الحقيقة هو الله وليس الملك، فما الملك إلا سبب من الأسباب، قال تعالى:{وَكَذَلِكَ مَكَّنَّا لِيُوسُفَ فِي الأَرْضِ يَتَبَوَّأُ مِنْهَا حَيْثُ يَشَاءُ}[يوسف:٥٦] ، أي: ينزل منها حيث أراد.
{نُصِيبُ بِرَحْمَتِنَا مَنْ نَشَاءُ}[يوسف:٥٦] ، أي: نتفضل برحمتنا على من نشاء، ونصيب بفضلنا من نشاء، كما قال تعالى في السحاب المسخر الذي ينزل على أنه غيث فيصيب به من يشاء ويصرفه عمن يشاء، فالله يرزق من يشاء، ويعطي من يشاء، ويمنع من يشاء:{قُلِ اللَّهُمَّ مَالِكَ الْمُلْكِ تُؤْتِي الْمُلْكَ مَنْ تَشَاءُ وَتَنْزِعُ الْمُلْكَ مِمَّنْ تَشَاءُ وَتُعِزُّ مَنْ تَشَاءُ وَتُذِلُّ مَنْ تَشَاءُ بِيَدِكَ الْخَيْرُ إِنَّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ}[آل عمران:٢٦] ، فإذا علم الناس ذلك فعليهم أن يأتوا البيوت من أبوابها، ويطرقوا باب ربهم سبحانه وتعالى الذي لا يغلق، فإليه المنتهى في كل شيء:{وَأَنَّ إِلَى رَبِّكَ الْمُنْتَهَى}[النجم:٤٢] ، فخزائن كل شيء بيديه، والأمر في كل شيء ينتهي إليه سبحانه وتعالى.
قال سبحانه:{وَلا نُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ}[يوسف:٥٦] ، فالمحسن لا يذهب إحسانه عند الله سدى، بل الله له شاكر، قال تعالى:{وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[البقرة:١٥٨] ، فالله لا يضيع أجر المحسنين أبداً، بل يثيبهم على أجرهم، ويعجل لهم بالخيرات أحياناً، ويدخر لهم كامل الثواب أحياناً أخرى.
فليفهم ذلك الفاهمون، وليعمل لذلك العاملون، وليحسن في الأبواب كلها المحسنون، وليس هذا في الدنيا فحسب؛ بل قال تعالى:{وَلَأَجْرُ الآخِرَةِ خَيْرٌ لِلَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ}[يوسف:٥٧] ، فلنحتسب الأجور عند الله، ولنقدم على عمل الصالحات والإحسان؛ فربنا رب شكور غفور {وَمَنْ تَطَوَّعَ خَيْرًا فَإِنَّ اللَّهَ شَاكِرٌ عَلِيمٌ}[البقرة:١٥٨] .
وصلى الله وسلم وبارك على نبينا محمد، والسلام عليكم ورحمة الله وبركاته.