{لا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ إِلَّا}(إلا) بمعنى: لكن، وتأتي (إلا) بمعنى لكن في كثير من آي الكتاب العزيز: قال الله سبحانه: {لا يَذُوقُونَ فِيهَا الْمَوْتَ إِلَّا الْمَوْتَةَ}[الدخان:٥٦] لا يذوقون فيها الموت لكن الموتة الأولى التي قد ماتوها فهي التي ذاقوها فقط، وقوله:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً} أي: لكن تكون تجارة (عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ) ، ومن تمام التراضي كما قال العلماء: إثبات خيار المجلس، وخيار المجلس مأخوذ من حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم:(البيعان بالخيار ما لم يتفرقا) ، فإذا كنت أنا وأنت جالسين في البيت أو في أي مكان واشتريت منك سلعة وكتبت العقد معك، وأنت وقعت لي عليه وأنا وقعت لك عليه، وسلمتك المال واستلمت العقد، ثم بعد ذلك ونحن في المجلس قلت لك: أنا راجع في كلامي عن البيع أو الشراء، جاز لي أن أرجع، ووجب عليك أن تقبل الرجوع، فأي طرف له الحق في عدم إتمام العقد وإن كان قد تسلم المال، وإن كان قد كتب العقد، فله الحق في نقض العقد ما داما في المجلس، أما إذا خرج أحدهما ورجع فقد انتهى البيع وتم، لذلك كان ابن عمر إذا اشترى سلعة فأعجبته بعد أن يعقد العقد يخرج ثم يدخل؛ لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(البيعان بالخيار ما لم يتفرقا، فإن نصحا وبيّنا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما) ، فمن تمام التراضي: إثبات خيار المجلس، وهو رأي جمهور العلماء.
وقال تعالى:{إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً عَنْ تَرَاضٍ مِنْكُمْ} ، وثمّ أنواع أخر غير التجارة، ولكن التجارة أهم صور المال الحلال، والرسول صلى الله عليه وسلم قال:(أفضل الكسب عمل الرجل بيده، وكل بيع مبرور) .
هناك صور أخرى للكسب الطيب كأن يعمل والرجل أجيراً عند رجل آخر، فذلك من عمل الرجل بيده.