للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[حقيقة الكلالة والمراد بالأخوة في آيتي الكلالة]

قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ} [النساء:١٢] : أي: أو امرأة تورث كلالة، وحذفت: (تورث كلالة) لدلالة السياق عليها، والحذف لدلالة السياق مستساغ، وقد قدمنا ما فيه الكفاية في هذا الباب.

قوله: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً} [النساء:١٢] : الكلالة: مَن لا ولد له ولا والد، وهذه المسألة من المسائل التي أشكلت على أمير المؤمنين عمر بن الخطاب حتى قال: (ما سأل أحدٌ رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الكلالة مثلما سألتُه، حتى ضرب يده في صدري وقال: يا ابن الخطاب، ألا تكفيك آية الكلالة التي في آخر سورة النساء؟!) ، ومع ذلك كان يقول في آخر حياته عمر: (ثلاث مات النبي صلى الله عليه وسلم ولَوَدِدْتُ أنه عَهِد إلينا فيهن عهداً: الكلالة، ومسائل من الربا ... ) إلى آخر ما ذكر عمر رضي الله عنه.

إذاً الكلالة: من لا ولد له ولا والد، أي: ليس له أب ولا ابن، ولا جد ولا حفيد، ولا شيء أعلى ولا شيء أنزل، قال العلماء: الكلالة هي مأخوذة من الإكليل الذي يحيط بالرأس.

قوله: {وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء:١٢] هنا تقدير أجمع العلماء عليه: له أخ أو أخت من الأم.

والكلالة فيها آيتان: هذه أولاهما: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ} [النساء:١٢] : أي: أخ أو أخت من الأم.

والثانية هي آخر آية في النساء: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ} [النساء:١٧٦] .

الكلالة هنا: الإخوة الأشقاء، أو الإخوة لأب، حتى لا تتضارب الأفهام؛ لأن حكم الكلالة في الآية الأولى من النساء، غير حكم الكلالة التي في آخر النساء.

الكلالة هنا: يقول الله سبحانه: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:١٢] .

لكن التي في آخر النساء: {يَسْتَفْتُونَكَ قُلِ اللَّهُ يُفْتِيكُمْ فِي الْكَلالَةِ إِنْ امْرُؤٌ هَلَكَ لَيْسَ لَهُ وَلَدٌ وَلَهُ أُخْتٌ فَلَهَا نِصْفُ مَا تَرَكَ} [النساء:١٧٦] .

فقد يقال: كيف تقول: إن الأخت لها نصف ما ترك في الأخيرة، وهنا تقول: لها السدس؟ فالإجابة: أن هذه الآية الأولى في الإخوة لأم.

والتي في آخر النساء في الإخوة الأشقاء.

والإخوة لأم يفترقون عن الإخوة الأشقاء في أمور: منها: أنهم لا يرثون الأخ إلا في الكلالة.

منها: أن ذكرهم يساوي أنثاهم في الميراث؛ لأن الله قال: {وَإِنْ كَانَ رَجُلٌ يُورَثُ كَلالَةً أَوِ امْرَأَةٌ وَلَهُ أَخٌ أَوْ أُخْتٌ فَلِكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا السُّدُسُ} [النساء:١٢] ، فسوى الأخ بالأخت.

لكن في الكلالة التي في آخر النساء: {وَإِنْ كَانُوا إِخْوَةً رِجَالًا وَنِسَاءً فَلِلذَّكَرِ مِثْلُ حَظِّ الأُنثَيَيْنِ} [النساء:١٧٦] ، وهي في الإخوة الأشقاء.

ومنها: أن ميراث الإخوة لام لا يتجاوز الثلث؛ لقوله تعالى: {فَإِنْ كَانُوا أَكْثَرَ مِنْ ذَلِكَ فَهُمْ شُرَكَاءُ فِي الثُّلُثِ} [النساء:١٢] .

أما الإخوة الأشقاء فيستحوذون على التركة كلها إن لم يوجد وارث للميت من يقدم عليهم.