للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[عظمة القرآن ومقصد ضرب الأمثال]

قال تعالى: {لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُتَصَدِّعًا مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:٢١] .

قوله تعالى: (لَوْ أَنْزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ) أي: لو جعلنا للجبل إدراكاً، وأنزلنا هذا القرآن عليه وأوحيناه إليه لرأيته خاشعاً متصدعاً من خشية الله، بعكس بني آدم، قال بعض أهل العلم: إن الجمادات لها إدراك يعلمه الله، ويعلم صفته، فإن الله سبحانه وتعالى قال في شأن الجبال: {إِنَّا عَرَضْنَا الأَمَانَةَ عَلَى السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا} [الأحزاب:٧٢] ، فدل ذلك على أن للجبال إدراكاً، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (أحدٌ جبل يحبنا ونحبه) ، وقال الله جل ذكره في كتابه الكريم: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ يَسْجُدُ لَهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَمَنْ فِي الأَرْضِ وَالشَّمْسُ وَالْقَمَرُ وَالنُّجُومُ وَالْجِبَالُ وَالشَّجَرُ وَالدَّوَابُّ وَكَثِيرٌ مِنَ النَّاسِ وَكَثِيرٌ حَقَّ عَلَيْهِ الْعَذَابُ وَمَنْ يُهِنِ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ مُكْرِمٍ إِنَّ اللَّهَ يَفْعَلُ مَا يَشَاءُ} [الحج:١٨] ، وقال النبي عليه الصلاة والسلام: (إني لأعرف حجراً بمكة كان يسلم عليَّ قبل أن أبعث إني لأعرفه الآن) ، وقد حن الجذع لرسول الله صلى الله عليه وسلم، وقال ابن مسعود رضي الله عنه: (كنا نسمع للطعام تسبيحاً وهو يؤكل على عهد رسول الله صلى الله عليه وسلم) ، فاستُدِل بهذه الآيات مع قوله تعالى: {وَإِنَّ مِنَ الْحِجَارَةِ لَمَا يَتَفَجَّرُ مِنْهُ الأَنْهَارُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَشَّقَّقُ فَيَخْرُجُ مِنْهُ الْمَاءُ وَإِنَّ مِنْهَا لَمَا يَهْبِطُ مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [البقرة:٧٤] على أن الجمادات لها إدراك يعلمه الله، ويعلم ماهيته، كما قال تعالى: {تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَوَاتُ السَّبْعُ وَالأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا} [الإسراء:٤٤] ، وقال تعالى في شأن الجبال: {وَلَقَدْ آتَيْنَا دَاوُدَ مِنَّا فَضْلًا يَا جِبَالُ أَوِّبِي مَعَهُ وَالطَّيْرَ وَأَلَنَّا لَهُ الْحَدِيدَ} [سبأ:١٠] .

قال تعالى: {وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ} [الحشر:٢١] ، فهذا المقصد من وراء ضرب الأمثال للناس، ولذلك قال كثير من المفسرين: ينبغي أن نفكِّر في الآيات وفي الأمثال، ونبحث عن معانيها الغامضة، فإن القرآن نزل ليُتدبر، ونزل ليُتأمل ويُتفكر فيه، كما قال تعالى: (لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) ، وكما قال تعالى: {أَفَلا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ} [النساء:٨٢] ، وكما قال تعالى: {كِتَابٌ أَنزَلْنَاهُ إِلَيْكَ مُبَارَكٌ لِيَدَّبَّرُوا آيَاتِهِ وَلِيَتَذَكَّرَ أُوْلُوا الأَلْبَابِ} [ص:٢٩] .